لم يتعلم الخط الذي يسهل تعلمه على أقل الخلق عقلا وفهما ، فكان الجمع بين هاتين الحالتين المتضادتين جاريا مجرى الجمع بين الضدين ، وذلك من الأمور الخارقة للعادة وجارية مجرى المعجزات.
الصفة الرابعة : قوله : (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) [الأعراف : ١٥٧] وهذا يدلّ على أن نعته وصحة نبوته مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل ؛ لأنّ ذلك لو لم يكن مكتوبا لكان ذكر هذا الكلام من أعظم المنفرات لليهود والنصارى عن قبول قوله ؛ لأنّ الإصرار على الكذب من أعظم المنفرات ، والعاقل لا يسعى فيما يوجب نقصان حاله ، وينفر النّاس عن قبول قوله وإذا كان مذكورا في التّوراة والإنجيل كان معجزة له دالة على صدقه.
قال عطاء بن يسار : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ، قلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم في التوراة.
قال : أجل ، والله إنّه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) [الأحزاب : ٤٥] وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي سمّيتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخّاب في الأسواق ، ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ، ويغفر ، ولن يقبضه حتى يقيم به الملّة العوجاء ، بأن يقولوا : لا إله إلا الله ، ويفتح بها أعينا عميا ، وآذانا صمّا ، وقلوبا غلفا (١).
وعن كعب قال : إني أجد في التوراة مكتوبا محمد رسول الله لا فظّ ، ولا غليظ ، ولا سخّاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، أمته الحامدون ، يحمدون الله في كل منزل ، وعلى كلّ نجد ، يأتزرون على أنصافهم ، ويغضون أطرافهم ، صفّهم في الصلاة وصفهم في القتال سواء ، مناديهم ينادي في جوّ السماء ، لهم في جوف الليل دويّ كدويّ النحل ، مولده بمكّة ، ومهاجره بطيبة ، وملكه بالشّام (٢).
الصفة الخامسة : قوله : (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) أي : بالإيمان ، وقيل : الشّريعة والسّنة.
قال عطاء : بمكارم الأخلاق ، وخلع الأنداد ، وصلة الأرحام (٣).
السادسة : قوله (وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) أي : عن الشرك.
وقيل : ما لا يعرف في كل شريعة ولا سنّة.
__________________
(١) أخرجه البخاري كتاب البيوع : باب كراهية السخب ... حديث (٢١٢٥) والطبري في «تفسيره» (٦ / ٨٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٤٣) وزاد نسبته لابن سعد والبيهقي في «الدلائل».
(٢) أخرجه الدارمي في «سننه» (١ / ٤ ـ ٥) من طريق أبي صالح عن كعب.
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٧ / ١٩١) عن عطاء.