أغلالا ؛ لأنّ التّحريم يمنع من الفعل كما أنّ الغل يمنع من الفعل.
فصل
وقيل : كانوا إذا قاموا إلى الصّلاة لبسوا المسوح ، وغلوا أيديهم إلى أعناقهم. وقد تقدم تفسير مادة «الغل» في آل عمران عند قوله : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) [١٦١] وهذه الآية تدلّ على أنّ الأصل في المضار ألا تكون مشروعة ؛ لأنّ كلّ ما كان ضررا كان إصرا وغلّا ، وهذا النص يقتضي عدم المشروعية ، كقوله : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» وقوله «بعثت بالحنيفيّة السّمحة السّهلة».
فإن قيل : كيف عطف الأغلال وهو جمع على الإصر وهو مفرد؟.
فالجواب : أنّ الأصل مصدر يقع على الكثير والقليل.
قوله : (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ).
قال ابن عبّاس : يعني من اليهود (١) وعزّروه يعني وقّرره.
قال الزمخشريّ : أصل العزر المنع ، ومنه التّعزير ؛ لأنّه يمنع من معاودة القبيح وتقدّم تفسير التعزير في المائدة. والعامّة على تشديد وعزّروه.
وقرأ الجحدريّ (٢) وعيسى بن عمر ، وسليمان التيمي : بتخفيفها ، وجعفر بن محمد وعزّزوه بزايين معجمتين. ونصروه أي على عدوّه. (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) وهو القرآن.
وقيل : الهدى والبينات والرسالة.
فصل
قال الزمخشري (٣) : فإن قلت : ما معنى أنزل معه وإنّما أنزل مع جبريل؟.
قلت : معناه أنزل مع نبوته ؛ لأنّ استنباءه كان مصحوبا بالقرآن مشفوعا به ، ويجوز أن يتعلّق ب «اتّبعوا» أي واتّبعوا القرآن المنزّل مع اتّباع النبي والعمل بسنته ، وبما أمر به ونهى عنه أو اتبعوا القرآن كما اتّبعه مصاحبين له في اتّباعه. يعني بهذا الوجه الأخير أنّه حال من فاعل اتّبعوا.
وقيل : «مع» بمعنى «على» أي : أنزل عليه. وجوّز أبو حيان أن يكون معه ظرفا في موضع الحال.
قال : العامل فيها محذوف تقديره : أنزل كائنا معه ، وهي حال مقدّرة كقولهم :
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (٥ / ٢٢) عن ابن عباس.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٦٤ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٠٣ ، والدر المصون ٣ / ٣٥٥.
(٣) ينظر : تفسير الكشاف ٢ / ١٦٦.