والثاني : أنّ الخطاب لهذه الأمّة ، أي : أفلا تعقلون أنتم حال هؤلاء وما هم عليه وتتعجّبون من حالهم. وأمّا الغيبة فجرى على ما تقدّم من الضّمائر. ونقل أبو حيان أنّ قراءة الغيبة لأبي عمرو وأهل مكّة ، وقراءة الخطاب للباقين.
قوله : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ) : فيه وجهان ، أظهرهما : أنّه مبتدأ ، وفي خبره حينئذ وجهان : أحدهما : الجملة من قوله (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) وفي الرّابط حينئذ أقوال :
أحدها : أنّه ضمير محذوف لفهم المعنى ، والتقدير : المصلحين منهم ، وهذا على قواعد جمهور البصريين ، وقواعد الكوفيين تقتضي أنّ «أل» قائمة مقام الضمير ، تقديره : أجر مصلحيهم ؛ كقوله : (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٤١] أي : مأواه ، وقوله (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) [ص : ٥٠] أي : أبوابها ، وقوله : (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) [الروم : ٣] أي : أرضهم ، إلى غير ذلك.
والثاني : أنّ الرّابط تكرّر المبتدأ بمعناه ، نحو : زيد قام أبو عبد الله ، وهو رأي الأخفش ، وهذا كما يجيزه في الموصول ، نحو : أبو سعيد الذي رويت عنه الخدريّ ، والحجّاج الذي رأيت ابن يوسف ، وقد تقدّم من ذلك شواهد.
الثالث : أنّ الرّابط هو العموم في «المصلحين» قاله أبو البقاء.
قال : «وإن شئت قلت : لمّا كان المصلحون جنسا والمبتدأ واحد منه استغنيت عن ضمير».
قال شهاب الدين (١) : العموم ربط من الروابط الخمسة ؛ وعليه قول الشاعر : [الطويل]
٢٦١٢ ـ ألا ليت شعري هل إلى أمّ سالم |
|
سبيل؟ فأمّا الصّبر عنها فلا صبرا (٢) |
ومنه : نعم الرجل زيد ، على أحد الأوجه.
والوجه الثاني ـ من وجهي الخبر ـ : أنّه محذوف ، تقديره : والذين يمسكون مأجورون ، أو مثابون ونحوه.
وقوله تعالى : (إِنَّا لا نُضِيعُ) جملة اعتراضية ، قاله الحوفيّ. ولا ضرورة تدعو إليه.
الثاني من وجهي (الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ) : أنّه محل جر نسقا على : (الَّذِينَ يَتَّقُونَ) أي: والدّار الآخرة خير للمتقين ، وللمتمسكين ، قاله الزمخشريّ.
إلّا أنه قال : ويكون قوله : (إِنَّا لا نُضِيعُ) اعتراضا سيق لتأكيد ما قبله. وفيه نظر ؛
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣٦٨.
(٢) البيت لابن ميادة ينظر الكتاب ١ / ٣٨٦ ، أوضح المسالك ١ / ٩٧ ، أمالي ابن الشجري ١ / ٢٨٦ ، الهمع ١ / ٩٨ ، الدرر ١ / ٧٤ ، المغني ٢ / ٥٠١ ، العيني ١ / ٥٢٣ ، الدر المصون ٣ / ٣٦٨.