ومن جمع قال : إنّ الذرية وإن كان واحدا فلا إشكال في جواز الجمع فيه ، وإن كان جمعا فجمعه حسن ؛ لأنّ الجموع المكسرة قد جمعت نحو : الطرقات والجدرات.
قوله : (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا).
أمّا على قول من أثبت الميثاق الأوّل فكل هذه الأشياء محمولة على ظواهرها ، وأمّا من أنكره ، قال : إنّها محمولة على التّمثيل ، أي : أنه تعالى نصب لهم الأدلة على ربوبيته ، وشهدت بها عقولهم ، فصار ذلك جاريا مجرى ما إذا أشهدهم على أنفسهم ، وقال لهم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ). وكأنهم قالوا بلى أنت ربّنا.
قوله : «بلى» جواب : «ألست».
قال ابن عبّاس : لو قالوا «نعم» لكفروا ، يريد أنّ النّفي إذا أجيب ب «نعم» كان تصديقا له ، فكأنهم أقرّوا بأنه ليس بربهم ، هكذا ينقلونه عن ابن عباس.
وفيه نظر ـ إن صحّ عنه ـ وذلك أن هذا النفي صار مقرّرا ، فكيف يكفرون بتصديق التقرير؟ وإنّما المانع من جهة اللغة ، وهو أنّ النفي مطلقا إذا قصد إيجابه أجيب ب «بلى» وإن كان مقرّرا بسبب دخول الاستفهام عليه ، وإنّما كان ذلك تغليبا لجانب اللفظ ، ولا يجوز مراعاة جانب المعنى إلّا في شعر ، كقوله : [الوافر]
٢٦١٨ ـ أليس اللّيل يجمع أمّ عمرو |
|
وإيّانا فذاك بنا تداني |
نعم وأرى الهلال كما تراه |
|
ويعلوها النّهار كما علاني (١) |
فأجاب قوله أليس ب «نعم» ، مراعاة للمعنى ؛ لأنه إيجاب.
قوله شهدنا هذا من كلام الله تعالى ، وقيل : من كلام الملائكة ، لأنهم لمّا قالوا بلى ، قال الله للملائكة : اشهدوا فقالوا : شهدنا ، وعلى هذا القول يحسن الوقف على قوله : (قالُوا بَلى) لأنّ كلام الذرية قد انقطع ههنا.
وقوله : (أَنْ تَقُولُوا) أي : لئلا تقولوا (يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) تقريره: أنّ الملائكة قالوا شهدنا عليهم بالإقرار ؛ يقولوا ما أقررنا ، فأسقط كلمة «لئلّا» كقوله (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) [النحل : ١٥] ، أي : لئلّا تميد بكم. قاله الكوفيون ، وعند البصريين تقديره : شهدنا كراهة أن تقولوا.
وقيل : من كلام الله تعالى والملائكة.
وقيل : من كلام الذّريّة ، وعلى هذا فقوله : (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) متعلق بقوله (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ) تقديره : وأشهدهم على أنفسهم بكذا وكذا لئلا يقولوا يوم القيامة : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) أو كراهية أن يقولوا ذلك.
__________________
(١) تقدم.