قال الواحديّ : وعلى هذا لا يحسن الوقف على قوله : بلى ولا يتعلّق أن تقولوا ب «شهدنا» ولكن بقوله : «وأشهدهم» فلم يجز قطعه عنه.
قوله «أن تقولوا» مفعول من أجله ، والعامل فيه إمّا شهدنا أي : شهدنا كراهة أن تقولوا. هذا تأويل البصريين ، وأما الكوفيون : فقاعدتهم تقدير «لا» النافية ، أي : لئلا تقولوا ، كقوله (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) [النحل : ١٥].
كما تقدم.
وقول القطامي : [الوافر]
٢٦١٩ ـ رأينا ما يرى البصراء فيها |
|
فآلينا عليها أن تباعا (١) |
أي : أن لا تباع ، وأما : «وأشهدهم» أي : وأشهدهم لئلا يقولوا أو كراهة أن يقولوا ، وقد تقدم أن الواحدي قد قال : إنّ شهدنا إذا كان من قول الذّريّة يتعيّن أن يتعلّق أن تقولوا ب «أشهدهم» كأنّه رأى أن التركيب يصير : شهدنا أن تقولوا ، سواء قرىء بالغيبة أو الخطاب ، والشّاهدون هم القائلون في المعنى ، فكان ينبغي أن يكون التركيب : شهدنا أن نقول نحن ، وهذا غير لازم ؛ لأنّ المعنى : شهد بعضهم على بعض ، فبعض الذرية قال : شهدنا أن يقول البعض الآخر كذلك.
وذكر الجرجانيّ عن بعضهم وجها آخر : وهو أن يكون قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ) إلى قوله (قالُوا بَلى) تمام قصة الميثاق ، ثم ابتدأ عزوجل خبرا آخر بذكر ما يقوله المشركون يوم القيامة ، فقال : «شهدنا» بمعنى : نشهد ؛ كقول الحطيئة : [الكامل]
٢٦٢٠ ـ شهد الحطيئة حين يلقى ربّه |
|
.......... (٢) |
أي : يشهد ، فيكون تأويله : يشهد أن يقولوا.
وقرأ أبو عمرو (٣) : «يقولوا» في الموضعين بالغيبة ، جريا على الأسماء المتقدمة ، والباقون بالخطاب ، وهذا واضح على قولنا : إنّ شهدنا مسند لضمير الله تعالى.
وقيل : على قراءة الغيبة يتعلّق أن يقولوا ب «أشهدهم» ، ويكون قالوا شهدنا معترضا بين الفعل وعلّته ، والخطاب على الالتفات ، فتكون الضّمائر لشيء واحد.
فإن قيل : كيف يلزم الحجة وأحد لا يذكر الميثاق؟
فالجواب : أن الله تعالى قد أوضح الدّلائل على وحدانيته وصدق رسله فيما
__________________
(١) تقدم.
(٢) صدر بيت وعجزه :
أن الوليد أحق بالعذر
ينظر : ديوانه (١٧٩) ، مجالس ثعلب ٢ / ٣٨٨ ، اللسان (حسب) الدر المصون ٣ / ٣٧١.
(٣) انظر : السبعة ٢٩٨ ، والحجة ٤ / ١٠٧ ، وإعراب القراءات ١ / ٢١٥ ، وحجة القراءات ٣٠٢ ، وإتحاف فضلاء البشر ٢ / ٦٩.