أخبروا ، فمن أنكره كان معاندا ناقضا للعهد ، ولزمته الحجة ، وبنسيانهم وعدم حفظهم لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر الصادق صاحب المعجزة.
قوله : (أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ).
قال المفسرون : المعنى أنّ المقصود من هذا الإشهاد ألّا يقول الكفار إنما أشركنا لأنّ آباءنا أشركوا فقلّدناهم فكان الذّنب لآبائنا ، فكيف تعذبنا على هذا الشرك ، وهو المراد من قوله (أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) والحاصل : أنه تعالى لمّا أخذ عليهم الميثاق ، امتنع عليهم التمسك بهذا العذر ، وأمّا الذين حملوا الآية على أن المراد منه مجرد نصب الدلائل ، قالوا : معنى الآية : إنّا نصبنا الدلائل وأظهرنا للعقول كراهة أن يقولوا يوم القيامة : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) ما نبّهنا عليه منبّه ، أو كراهة أن يقولوا : إنّما أشركنا على سبيل التّقليد لأسلافنا ؛ لأنّ نصب الأدلّة على التّوحيد قائم مقام منعهم.
ثم قال : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي : أن مثل ما فصّلنا وبينّا في هذه الآية بين سائر الآيات ليتدبّروا فيرجعوا إلى الحقّ.
وقرأت فرقة يفصّل (١) بياء الغيبة ، وهو الله تعالى.
قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦) ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (١٧٧) مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)(١٧٨)
قوله تعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا) الآية.
قال ابن عبّاس وابن مسعود : نزلت هذه الآية في «بلعم بن باعوراء» (٢).
وقال مجاهد : بلعام ابن باعر (٣).
وقال عطيّة عن ابن عبّاس : كان من بني إسرائيل (٤).
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٧٦ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٢٠ ، والدر المصون ٣ / ٣٧٢.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١١٨ ـ ١١٩) عن ابن مسعود وابن عباس. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٦٥) وزاد نسبته للفريابي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» كما في «المجمع» (٧ / ٢٨) وقال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١١٩) عن مجاهد.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١١٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٦٦) وزاد نسبته لعبد بن حميد وأبي الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس.