وروي عن ابن أبي طلحة : أنّه كان من الكنعانيين من مدينة الجبّارين (١).
وقال مقاتل : هو من مدينة البلقاء ، وذلك أنّ موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وقومه ، قصد بلده ، وغزا أهله وكانوا كفارا ، فطلبوا منه أن يدعو على موسى وقومه وكان مجاب الدعوة وعنده اسم الله الأعظم فامتنع منه ، فما زالوا يطلبونه حتى دعا عليه ، فاستجيب له ووقع موسى وبنو إسرائيل في التّيه بدعائه ، فقال موسى : يا رب بأيّ ذنب وقعنا في التيه؟
فقال : بدعاء بلعم ، فقال : كما سمعت دعاءه عليّ ، فاسمع دعائي عليه ، ثم دعا موسى عليه الصلاة السلام أن ينزع منه اسم الله الأعظم والإيمان ، فسلخه الله ممّا كان عليه ، ونزع منه المعرفة ، فخرجت من صدره حمامة بيضاء (٢).
وقيل : إنّه كان نبيّا من أنبياء الله ، دعا عليه موسى ، فنزع الله تعالى منه الإيمان ، فصار كافرا وهذا بعيد ؛ لقوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] فدلّ على أنّه تعالى لا يخصّ عبدا بالرّسالة إلّا إذا علم امتيازه عن سائر العبيد بمزيد المناقب العظيمة ، ومن كانت هذه حاله ، كيف يليق به الكفر؟
وقال عبد الله بن عمرو وسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم : نزلت في أميّة بن أبي الصلت وكان قد قرأ الكتب ، وعلم أنّ الله تعالى مرسل رسولا في ذلك الوقت ورجا أن يكون هو ، فلمّا أرسل الله تعالى ، محمدا عليه ـ الصّلاة والسّلام ـ ، حسده ، ثم مات كافرا ، وكان قد قصد بعض الملوك ، فلمّا رجع مرّ على قتلى بدر ، فسأل عنهم ، فقيل له : قتلهم محمد. فقال : لو كان نبيّا ما قتل أقرباءه ، فلما مات أمية ، أتت أخته فازعة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسألها عن وفاة أخيها فقالت : بينما هو راقد ، أتاه اثنان ، فكشفا سقف البيت ونزلا ، فقعد أحدهما عند رجليه ، والآخر عند رأسه. فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه أوعى؟ قال : وعى. قال : أزكى؟ قال : أبى ، فسألته عن ذلك فقال : خير أريد بي ؛ فصرف عني ثم غشي عليه ، فلما أفاق قال : [الخفيف]
٢٦٢١ ـ كلّ عيش وإن تطاول دهرا |
|
صائر مرّة إلى أن يزولا |
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي |
|
في قلال الجبال أرعى الوعولا |
إنّ يوم الحساب يوم عظيم |
|
شاب فيه الصّغير يوما ثقيلا (٣) |
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنشديني شعر أخيك ، فأنشدته بعض قصائده.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١١٩) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٦٦) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ٤٥).
(٣) ينظر : طبقات فحول الشعراء ١ / ٢٦٧ ، معالم التنزيل ٢ / ٢١٥ ، لباب التأويل ٢ / ٢٠٣.