وتلك الجملة لا تخلو من أن يعطف عليها ما يناقضها ، أو لم يعطف ، فالأوّل : يستمرّ فيه ترك الواو ، نحو : أتيتك إن أتيتني وإن لم تأتني ، إذ لا يخفى أن النقيضين من الشرطين في مثل هذا الموضع لا يبقيان على معنى الشرط ، بل يتحوّلان إلى معنى التسوية ، كالاستفهامين المتناقضين في قوله : (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) [البقرة ٦ ـ يس ١٠].
والثاني : لا بدّ فيه من الواو نحو : أتيتك ، وإن لم تأتني ؛ لأنّه لو تركت الواو فقيل : أتيتك إن لم تأتني لالتبس ، إذا عرف هذا فقوله : (إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) من قبيل النوع الأول ؛ لأنّ الحمل عليه ، والتّرك نقيضان.
والكلب يجمع في القلّة «أكلب» ، وفي الكثرة على «كلاب» ، وشذّوا فجمعوا «أكلبا» على «أكالب» ، و «كلابا» على «كلابات» ، وأمّا «كليب» فاسم جمع ؛ ك «فريق» ، لا جمع ، قال طرفة : [الطويل]
٢٦٢٣ ـ تعفّق بالأرطى لها وأرادها |
|
رجال فبذّت نبلهم وكليب (١) |
وتقدّمت هذه المادة في المائدة.
ويقال : لهث يلهث بفتح العين في الماضي والمضارع «لهثا» ، و «لهثا» بفتح اللام وضمها ، وهو خروج لسانه في حالة راحته وإعيائه ، وأمّا غيره من الحيوان ، فلا يلهث إلّا إذا أعيا ، أو عطش ، والذي يظهر أن هذه الجملة الشرطية لا محلّ لها من الإعراب ؛ لأنّها مفسّرة للمثل المذكور ، وهذا معنى واضح لقولهم في قوله تعالى : (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) أنّ الجملة من قوله من تراب مفسّرة لقوله تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) [آل عمران : ٥٩].
واعلم أنّ هذا التمثيل ما وقع بجميع الكلاب ، وإنّما وقع بالكلب اللّاهث ، وذلك من وجهين : الأول : أنّه شبهه بأخس الحيوانات ، وأخس الحيوانات الكلب ، وأخسّ الكلاب الكلب اللّاهث ، فمن آتاه الله العلم والدّين فمال إلى الدّنيا ، وأخلد في الأرض ، كان مشبها بأخس الحيوانات وهو الكلب اللّاهث ، فإنّه يلهث في حال الإعياء ، وفي حال الرّاحة ، وفي حال العطش ، وفي حال الرّي ، وذلك عادته الأصليّة وطبيعته الخسيسة لا لضرورة وحاجة تدعو إلى ذلك فكذلك من آتاه الله العلم والدين ، وأغناه عن التّعرّض لأوساخ النّاس ، ثم إنّه يميل في طلب الدّنيا ، ويلقي نفسه فيها ، فحاله كحال ذلك اللّاهث ، حيث واظب على الفعل الخسيس القبيح ، بمجرّد نفسه الخبيثة وطبيعته الخسيسة لا لحاجة وضرورة.
الثاني : أنّ العالم إذا توسّل بعلمه إلى طلب الدّنيا ، فذلك إنّما يكون لأجل أن يورد عليهم أنواع علومه ، ويظهر عندهم فضائل نفسه ومناقبها ، فهو عند ذكر تلك العلوم يدلع
__________________
(١) تقدم.