قال ابن عبّاس : يريد مال إلى الدّنيا (١).
وقال مقاتل : رضي بالدّنيا (٢).
وقال الزجاج : ركن إلى الدّنيا.
قال الواحديّ فهؤلاء فسّروا «الأرض» في هذه الآية بالدنيا ؛ وذلك لأنّ الدنيا هي الأرض ؛ لأن ما فيها من القفار والضياع كلها أرض ، وسائر أمتعتها من المعادن والنبات والحيوان يستخرج من الأرض وإنّما يقوى ويكمل بها ، فالدنيا كلّها هي الأرض ؛ فصلح أن يعبر عن الدّنيا بالأرض.
وقوله : (وَاتَّبَعَ هَواهُ) أي : أعرض عن التّمسك بما آتاه الله من الآيات واتّبع الهوى ، فلا جرم وقع في هاوية الرّدى ، وهذه أشد آية على العلماء ؛ لأنه تعالى بعد أن خصّ هذا الرّجل بآياته وبيناته وعلمه الاسم الأعظم ، وخصه بالدّعوات المستجابة ، لما اتبع الهوى انسلخ من الدين وصار في درجة الكلب ، وذلك يدلّ على أن من كانت نعم الله عليه أكثر ، فإذا أعرض عن متابعة الهدى ، واتّبع الهوى ، كان بعده عن الله أعظم ، وإليه الإشارة بقوله عليه الصّلاة والسّلام «من ازداد من الله علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلّا بعدا» (٣).
وقال عليه الصّلاة والسّلام «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والسّرف لدينه» (٤).
قوله : (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) ، الجملة الشّرطيّة في محلّ نصب على الحال ، أي : لاهثا في الحالتين.
قال بعضهم : وأمّا الجملة الشّرطيّة فلا تكاد تقع بتمامها موضع الحال.
فلا يقال : جاء زيد إن يسأل يعط. على الحال ، بل لو أريد ذلك لجعلت الجملة خبرا عن ضمير ما أريد جعل الحال عنه.
فيقال : جاء زيد وهو إن يسأل يعط فتكون الجملة الاسمية هي الحال.
نعم قد أوقعوا الشّرطيّة موقع الحال ، ولكن بعد أن أخرجوها عن حقيقة الشرط
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ٤٦).
(٢) انظر : المصدر السابق.
(٣) ذكره الحافظ العراقي في «تخريج الإحياء» (١ / ٥٩) وقال : أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث علي بإسناد ضعيف.
(٤) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٤٦٠ ، وأخرجه الدارمي في السنن ٢ / ٣٠٤ ، كتاب الرقاق ، باب ما ذئبان جائعان ، وأخرجه الترمذي في السنن ٤ / ٥٨٨ ، كتاب الزهد : باب (٤٣) الحديث (٦ / ٢٣٧) وقال : (حسن صحيح) ، وأخرجه ابن حبان ، ذكره الهيثمي في موارد الظمآن ص ٦١٢ ، كتاب الزهد باب فتنة المال ـ الحديث (٢٤٧٢) واللفظ لهم.