قال الجبائيّ والقاضي : المراد من يهده الله إلى الجنّة والثّواب في الآخرة ، فهو المهتدي في الدّنيا السالك طريقة الرشد فيما كلف ، فبيّن تعالى أنّه لا يهدي إلى الثّواب في الآخرة إلا من هذه صفته ، ومن يضلله عن طريق الجنّة : (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).
وثانيها : قال بعضهم : إنّ في الآية حذفا ، والتّقدير : من يهده الله فيقبل ، ويهتدي بهداه ؛ فهو المهتدي ، ومن يضلل فلم يقبل فهو الخاسر.
وثالثها : أنّ المراد من يهده الله أي : وصفه بكونه مهتديا فهو المهتدي ؛ لأنّ ذلك كالمدح ومدح الله لا يجعل إلّا لمن اتّصف بذلك الوصف الممدوح ، ومن يضلل أي : وصفه الله بكونه ضالا : (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).
ورابعها : من يهده الله بالإلطاف وزيادة الهدى فهو المهتدي ، ومن يضلل عن تلك الألطاف بسوء اختياره ، ولم يؤثّر فيه فهو الخاسر.
والجواب من وجوه : الأول : أن الفعل يتوقّف على حصول الدّاعي وحصول الدّاعي ليس إلّا من الله فالفعل ليس إلّا من الله تعالى.
الثاني : أنّ خلاف معلوم الله تعالى ممتنع الوقوع ، فمن علم الله منه الإيمان لم يقدر على الكفر وبالضّد.
الثالث : أنّ كل أحد يقصد حصول الإيمان والمعرفة فإذا حصل الكفر عقيبه علمنا أنّه ليس منه بل من غيره.
وأما التأويل الأول : فضعيف لأنه حمل قوله (مَنْ يَهْدِ اللهُ) على الهداية في الآخرة إلى الجنة وقوله (فَهُوَ الْمُهْتَدِي) على الاهتداء إلى الحق في الدنيا ، وذلك يوجب ركاكة النظم ، بل يجب أن تكون الهداية والاهتداء راجعين إلى شيء واحد حتى يحسن النظم.
وأما الثاني : فإنه التزام لإضمار زائد ، وهو خلاف اللّفظ ، ولو جاز فتح باب أمثال هذه الإضمارات لانقلب النفي إثباتا والإثبات نفيا ، ويخرج كلام الله عن أن يكون حجة ، فإنّ لكل أحد أن يضمر في الآية ما شاء ، وحينئذ يخرج الكلام عن الإفادة.
وأما الثالث : فضعيف ؛ لأن قول القائل : فلان هدى فلانا لا يفيد في اللغة ألبتّة أنّه وصفه بكونه مهتديا ، وقياس هذا على قوله : فلان ضلل فلان وكفره ، قياس في اللغة ، وهو في نهاية الفساد.
والرابع : باطل ؛ لأن كل ما في مقدور الله تعالى من الألطاف ، فقد فعله عند المعتزلة في حق جميع الكفّار ؛ فحمل الآية على هذا التّأويل بعيد.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٧٩) وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما