أمّا القرآن فقوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) [الأنعام : ١٠٥] ومعلوم أنه تعالى ما صرفها ليقولوا ذلك ؛ لكنّهم لمّا قالوا ذلك حسن ورود هذا اللفظ.
وقال تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) [يونس : ٨٨].
وقال : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨]. ولم يلتقط لهذا الغرض ، إلّا أنه لمّا كانت عاقبة أمرهم ذلك حسن هذا اللفظ.
وأما الشعر فقوله : [الطويل]
٢٦٣١ ـ وللموت تغذو الوالدات سخالها |
|
كما لخراب الدّور تبنى المساكن (١) |
وقال : [البسيط]
٢٦٣٢ ـ أموالنا لذوي الميراث نجمعها |
|
ودورنا لخراب الدّهر نبنيها (٢) |
وقال : [الوافر]
٢٦٣٣ ـ له ملك ينادي كلّ يوم |
|
لدوا للموت وابنوا للخراب (٣) |
وقال : [المتقارب]
٢٦٣٤ ـ فأمّ سماك فلا تجزعي |
|
فللموت ما تلد الوالده (٤) |
هذا منتهى كلام المعتزلة.
واعلم أنّ المصير إلى التّأويل إنّما يحسن إذا ثبت بالدّليل العقليّ امتناع حمل هذا اللّفظ على ظاهره ، وقد بيّنّا بالدليل العقليّ أن الحقّ ما دل عليه ظاهر اللفظ ، فصار التّأويل ههنا عبثا ، وأمّا الآيات التي تمسكوا بها فمعارضة بالبحار الزاخرة من الآيات الدالة على مذهب أهل السّنّة ، ومن جملتها ما قبل هذه الآية : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) وما بعدها ، وهو قوله : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) ولمّا كان ما قبل هذه الآية وما بعدها ليس إلّا ما يقوي قولنا كان تأويل المعتزلة في هذه الآية ضعيفا جدا.
قوله : «لهم قلوب» جملة في محلّ نصب إمّا صفة ل «كثيرا» أيضا ، وإمّا حالا من :
__________________
(١) تقدم.
(٢) البيت لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه ينظر : الديوان ٢١٠ ، التفسير الكبير ١٥ / ٦٢ ، مجمع البيان ٤ / ٢٧٨ ، اللسان (لوم) ، السراج المنير ١ / ٥٣٨.
(٣) تقدم.
(٤) البيت لسماك أخي مالك بن عمرو العاملي.
ينظر : اللسان (لوم) ، الدرر ٢ / ٣١ ، المغني ١ / ٢١٤ ، إعراب النحاس ٢ / ٨٩ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٥٧٢ ، مجمع البيان ٤ / ٢٧٨ ، المسائل البغداديات ١٧٧.