أكثرت السّؤال عنها وبالغت في طلب علمها ، وقيل الحفاوة : البرّ واللّطف.
قال ابن الأعرابي : يقال حفي بي حفاوة وتحفّى بي تحفّيا. والتّحفي : الكلام واللّقاء الحسن ، قال تعالى : (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) [مريم : ٤٧] أي بارّا لطيفا يجيب دعائي. ومعنى الآية على هذا : [يسألونك] كأنّك بارّ بهم لطيف العشرة معهم ، قاله الحسن وقتادة والسّديّ (١) ويؤيده ما روي في تفسيره : إنّ قريشا قالوا لمحمّد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : إنّ بيننا وبينك قرابة فاذكر لنا متى السّاعة؟ فقال تعالى : (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) [الأعراف : ١٨٧] أي : كأنك صديق لهم بارّ ، بمعنى أنك لا تكون حفيا بهم ما داموا على كفرهم.
وقرأ عبد الله (٢) حفيّ بها وهي تدلّ لمن ادّعى أنّ «عن» بمعنى الباء ، وحفيّ فعيل بمعنى : مفعول أي : محفوّ.
وقيل : بمعنى فاعل ، أي كأنّك مبالغ في السؤال عنها ومتطلع إلى علم مجيئها.
قوله : (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ).
اعلم أن قوله (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) سؤال عن وقت قيام السّاعة.
وقوله ثانيا : (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) سؤال عن كيفيّة ثقل السّاعة وشدتها فلم يلزم التكرار ، وأجاب عن الأوّل بقوله : (إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) وأجاب عن الثّاني بقوله : (إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) والفرق بين الصورتين : أن السؤال الأول كان واقعا عن وقت السّاعة. والسؤال الثّاني كان واقعا عن مقدار شدتها ومهابتها.
وأعظم أسماء الله مهابة وعظمة هو قولنا : الله.
فأجاب عند السّؤال عن مقدار شدّة القيامة بالاسم الدّالّ على غاية المهابة ، وهو قولنا : الله ، ثم ختم الآية بقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أي : لا يعلمون أن القيامة حقّ ؛ لأنّ أكثر الخلق ينكرون المعاد.
وقيل : لا يعلمون بأنّي أخبرتك بأنّ وقت قيام السّاعة لا يعلمها إلّا الله.
وقيل : لا يعلمون السّبب الذي لأجله أخفيت معرفة وقتها المعين عن الخلق.
قوله تعالى : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ) الآية.
وجه تعلّق هذه الآية بما قبلها : أنّهم لمّا سألوه عن علم السّاعة فقال : (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) أي أنا لا أدري علم الغيب ، ولا أملك لنفسي نفعا ، ولا ضرّا إن أنا إلّا نذير ،
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٣٩) عن الحسن وقتادة والسدي.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ١٨٥ ، ونسبها ابن عطية في المحرر (٢ / ٤٨٥) إلى ابن عباس ، وينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٣٣ ، والدر المصون ٣ / ٣٨١.