بينهما ، فلا يتبايعانه ، ولا يطويانه ، ولتقومنّ السّاعة وقد انصرف الرّجل بلبن لقحته فلا يطعمه ، ولتقومنّ السّاعة هو يليط في حوضه فلا يسقى فيه ، ولتقومنّ السّاعة والرّجل قد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها» (١).
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) هذه الجملة التّشبيهيّة في محلّ نصب على الحال من مفعول : «يسألونك» وفي عنها وجهان :
أحدهما : أنّها متعلقة ب يسألونك و : «كأنّك حفيّ» معترض ، وصلتها محذوفة تقديره : حفيّ بها.
وقال أبو البقاء : في الكلام تقديم وتأخير ، ولا حاجة إلى ذلك ، لأنّ هذه كلّها متعلقات للفعل ، فإنّ قوله (كأنّك حفيّ) حال كما تقدّم.
والثاني : أنّ «عن» بمعنى الباء كما تكون الباء بمعنى عن كقوله : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) [الفرقان : ٢٥٩] (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) [الفرقان : ٢٥] ؛ لأن حفي لا يتعدّى ب «عن» بل بالباء كقوله : (كانَ بِي حَفِيًّا) [مريم : ٤٧] أو يضمّن معنى شيء يتعدّى ب «عن» أي كأنك كاشف بحفاوتك عنها.
والحفيّ : المستقصي عن الشّيء ، المهتبل به ، المعني بأمره ؛ قال : [الطويل]
٢٦٤٤ ـ سؤال حفيّ عن أخيه كأنّه |
|
بذكرته وسنان أو متواسن (٢) |
وقال آخر : [الطويل]
٢٦٤٥ ـ فلمّا التقينا بيّن السّيف بيننا |
|
لسائله عنّا حفيّ سؤالها (٣) |
وقال الأعشى : [الطويل]
٢٦٤٦ ـ فإن تسألي عنّي فيا ربّ سائل |
|
حفيّ عن الأعشى به حيث أصعدا (٤) |
والإحفاء : الاستقصاء ؛ ومنه إحفاء الشّوارب ، والحافي ؛ لأنّه حفيت قدمه في استقصاء السّير.
قال الزمخشريّ : وهذا التركيب يفيد المبالغة.
قال أبو عبيدة : وهو من قولهم : تحفى بالمسألة أي : استقصى ، والمعنى : فإنّك
__________________
(١) تقدم.
(٢) البيت للمعطل الهذلي ينظر ديوان الهذليين ٣ / ٤٥ ، جامع البيان ١٣ / ٣٠١ ، المحرر الوجيز ٧ / ٢٢١ ، البحر ٤ / ٤١٨ ، الدر المصون ٣ / ٣٨٠.
(٣) البيت لأنيف بن زبان النبهاني. ينظر الحماسة ١ / ١٠٣ ، والبحر المحيط ٤ / ٤١٨ ، والمحرر الوجيز ٢ / ٤٨٥ ، والكامل ١ / ٩٤ ، والدر المصون ٣ / ٣٨١.
(٤) ينظر : ديوانه (١٨٥) ، التهذيب ٥ / ٢٥٩ ، واللسان (حفا) و (صعد) وحاشية الشهاب ٤ / ٤٢ ، والدر المصون ٣ / ٣٨١.