ترسو وأرسيتها ، قال تعالى (وَالْجِبالَ أَرْساها) [النازعات : ٣٢] ولما كان أثقل الأشياء على الخلق هو الساعة ؛ لقوله (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) لا جرم سمّى الله وقوعها وثبوتها بالإرساء.
قوله : (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) علمها مصدر مضاف للمفعول ، والظّرف خبره أي: أنّ الله استأثر بعلمها لا يعلمها غيره.
وقوله لا يجلّيها أي لا يكشفها ولا يظهرها. والتّجلّي هو الظهور.
وقال مجاهد : لا يأتي بها لوقتها إلّا هو (١) نظيره قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) [لقمان : ٣٤] وقوله (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها) [طه : ١٥] ولمّا سأل جبريل ـ عليهالسلام ـ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : متى السّاعة.
فقال : «ما المسئول عنها بأعلم من السّائل» (٢).
قال المحققون : والسّبب في إخفاء السّاعة عن العباد ليكونوا على حذر ، فيكون ذلك أوعى للطّاعة وأزجر عن المعصية ؛ فإنّه متى علمها المكلف تقاعس عن التّوبة ، وأخرها ، وكذلك إخفاء ليلة القدر ؛ ليجتهد المكلف كل ليالي الشّهر في العبادة ، وكذلك إخفاء ساعة الإجابة في يوم الجمعة ؛ ليكون المكلف مجدّا في الدّعاء في كل اليوم.
قوله : «في السّموات» يجوز فيها وجهان ، أحدهما : أن تكون «في» بمعنى «على» أي : على أهل السموات أو هي ثقيلة على نفس السموات والأرض ، لانشقاق هذه وزلزال ذي ، وهو قول الحسن.
والثاني : أنّها على بابها من الظّرفيّة ، والمعنى : حصل ثقلها ، وهو شدّتها ، أو المبالغة في إخفائها في هذين الظرفين.
قال الأصمّ : إن هذا اليوم ثقيل جدّا على السموات والأرض ؛ لأنّ فيه فناءهم وذلك ثقيل على القلوب.
وقيل : ثقيل بسبب أنّهم يصيرون بعده إلى البعث ، والحساب ، والسّؤال ، والخوف.
وقال السّديّ : ثقل علمها ، فلم يعلم أحد من الملائكة المقربين ، والأنبياء المرسلين متى يكون حدوثها ووقوعها.
قوله : (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) أي فجأة على غفلة ، وهذا تأكيد وتقرير لما تقدّم من إخفائها.
روى أبو هريرة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لتقومنّ السّاعة وقد نشر الرّجلان ثوبهما
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٣٧).
(٢) تقدم وهو حديث سيدنا جبريل المشهور.