والباقون بالتشديد ، فقيل : هما لغتان ، ولهذا جاء في قصة آدم : (فَمَنْ تَبِعَ) [البقرة : ٣٨٥] وفي موضع (فَمَنِ اتَّبَعَ) [طه : ١٣٢].
وقيل : تبع اقتفى أثره ، واتّبعه بالتشديد : اقتدى به والأول أظهر.
ثمّ أكّد الكلام فقال : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) والمعنى : سواء عليكم أدعوتموهم إلى الدّين أم أنتم صامتون عن دعائهم ، لا يؤمنون ، كقوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة : ٦] وعطف قوله : (أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) وهي جملة اسمية على أخرى فعلية ؛ لأنّها في معنى الفعليّة ، والتقدير : أم صمتّم؟
وقال أبو البقاء : جملة اسميّة في موضع الفعليّة ، والتقدير : أدعوتموهم أم صمتّم؟
وقال ابن عطيّة : عطف الاسم على الفعل ؛ إذ التقدير : أم صمتّم ؛ ومثله قول الشاعر : [الطويل]
٢٦٤٨ ـ سواء عليك النّفر أم بتّ ليلة |
|
بأهل القباب من نمير بن عامر (١) |
قال أبو حيّان (٢) : وليس هذا من عطف الفعل على الاسم ، إنّما هو من عطف الاسميّة على الفعليّة ، وأمّا البيت فليس فيه عطف فعل على اسم ، إنّما هو من عطف الفعلية على اسم مقدّر بالفعلية ، إذ الأصل : سواء عليك أنفرت أم بتّ ، وإنما أتى في الآية بالجملة الثانية اسمية ؛ لأنّ الفعل يشعر بالحدوث ولأنها رأس فاصلة. والصّمت : السّكوت ، يقال صمت يصمت بالفتح ، في الماضي ، والضم في المضارع.
ويقال : صمت ، بالكسر ، يصمت بالفتح والمصدر الصّمت والصّمات ، وإصمت ، بكسر الهمزة والميم : اسم فلاة معروفة ، وهو منقول من فعل الأمر من هذه المادة ، وقد ردّ بعضهم هذا بأنّه لو كان منقولا من الأمر لكان ينبغي أن تكون همزته همزة وصل ، ولكان ينبغي أن تكون ميمه مضمومة ، إن كان من «يصمت» أو مفتوحة إن كان من «يصمت» ؛ ولأنّه ينبغي ألّا يؤنث بالتّاء ، وقد قالوا : إصمته.
والجواب : أنّ فعل الأمر يجب قطع همزته إذا سمّي به نحو : أسرب ؛ لأنّه ليس لنا من الأسماء ما همزته للوصل إلّا أسماء عشرة ، ونوع الانطلاق من كل مصدر زاد على الخمسة وهو قليل ، فالإلحاق بالكثير أولى ، وأمّا كسر الميم فلأنّ التغيير يؤنس بالتّغيير وكذلك الجواب عن تأنيثه بالتّاء.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٩٤) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ
__________________
(١) ينظر : شرح الأشموني ٢ / ٤٢١ ، المقاصد النحوية ٤ / ١٧٩ ، الطبري ١٣ / ٣٢١ والبحر المحيط ٤ / ٤٣٩ ، معاني الفراء ١ / ٤٠١ ، والعيني ٤ / ١٧٩ ، والدر المصون ٣ / ٣٨٤.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٣٩.