الثالث : أن يعود الضمير المجرور والمنصوب على الشياطين ، والمرفوع على الإخوان وهم الكفّار.
قال ابن عطيّة : ويكون المعنى : وإخوان الشّياطين في الغيّ بخلاف الإخوة في الله يمدّون الشّياطين أي : بطاعتهم لهم وقبولهم منهم ، ولا يترتّب هذا التّأويل على أن يتعلّق في الغيّ بالإمداد ؛ لأنّ الإنس لا يغوون الشياطين ، يعني يكون في الغيّ حالا من المبتدأ ، أي : وإخوانهم حال كونهم مستقرّين في الغيّ ، وفي مجيء الحال من المبتدأ خلاف ، والأحسن أن يتعلّق بما تضمنه إخوانهم من معنى المؤاخاة والأخوة ، وسيأتي فيه بحث لأبي حيان.
قال أبو حيّان : ويمكن أن يتعلّق في الغيّ على هذا التّأويل ب : يمدّونهم على جهة السببية ، أي : يمدّونهم بسبب غوايتهم ، نحو : دخلت امرأة النّار في هرّة ، أي : بسبب هرّة ، ويحتمل أن يكون في الغيّ حالا ، فيتعلّق بمحذوف أي : كائنين في الغيّ ، فيكون في الغيّ في موضعه ، ولا يتعلّق ب : إخوانهم وقد جوّز ذلك ابن عطية.
وعندي في ذلك نظر.
فلو قلت : مطعمك زيد لحما ، تريد : مطعمك لحما زيد ، فتفصل بين المبتدأ ومعموله بالخبر ، لكان في جوازه نظر ، لأنّك فصلت بين العامل والمعمول بأجنبي لهما معا ، وإن كان ليس أجنبيا لأحدهما وهو المبتدأ.
قال شهاب الدين (١) : ولا يظهر منع هذا ألبتة لعدم أجنبيته وقرأ (٢) نافع يمدّونهم بضم الياء وكسر الميم من أمدّ والباقون : بفتح الياء وضم الميم ، وقد تقدم الكلام على هذه المادة هل هما بمعنى واحد أم بينهما فرق في أوائل الكتاب [البقرة : ١٥٥].
فقيل : أمدّ ومدّ لغتان.
وقيل : مدّ معناه : جذب ، وأمدّ معناه من : الإمداد.
قال الواحدي عامة ما جاء في التنزيل ممّا يحمد ويستحب أمددت على أفعلت ، كقوله (أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ) [المؤمنون : ٥٥] وقوله (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ) [الطور : ٢٢] (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) [النمل : ٣٦] وما كان بخلافه فإنّه يجيء على : مددت ؛ قال تعالى (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [البقرة : ١٥] فالوجه ههنا قراءة العامة ، ومن ضمّ الياء استعمل ما هو الخير لضده كقوله (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران : ٢١] وقرأ (٣)
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣٩٠.
(٢) ينظر : السبعة ٣٠١ ، والحجة ٤ / ١٢٢ ، وإعراب القراءات ١ / ٢١٩ ، وحجة القراءات ٣٠٦ ، وإتحاف ٢ / ٧٣.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٩٣ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٤٧ ، والدر المصون ٣ / ٣٩٠.