سعيد بن جبير : هو الرّجل يغضب الغضبة فيذكر الله تعالى ، فيكظم الغيظ (١).
وقال مجاهد : هو الرّجل يهم بالذنب ، فيذكر الله تعالى فيدعه (٢).
(فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) هذه «إذا» الفجائيّة كقولك : خرجت فإذا زيد ، والمعنى : يبصرون مواقع خطاياهم بالتذكر والتّفكر ، وقال السديّ : إذا زلوا تابوا وقال مقاتل : إنّ المتقي إذا مسه نزغ من الشيطان تذكر وعرف أنه معصية فأبصر فنزع عن مخالفة الله.
واعلم أنّ إذا في قوله : (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ) تستدعي جزاء.
قوله : (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ). في هذه الآية أوجه :
أحدها : أنّ الضمير في : «إخوانهم» يعود على الشّياطين لدلالة لفظ الشيطان عليهم ، أو على الشّيطان نفسه ؛ لأنّه لا يراد به الواحد ، بل الجنس.
والضمير المنصوب في يمدّونهم يعود على الكفّار ، والمرفوع يعود على الشياطين أو الشيطان كما تقدّم ، والتقدير : وإخوان الشياطين يمدّهم الشيطان ، وعلى هذا الوجه فالخبر جار على غير من هو له في المعنى ، ألا ترى أنّ الإمداد مسند إلى الشياطين في المعنى وهو في اللفظ خبر عن إخوانهم ومثله : [البسيط]
٢٦٦٣ ـ قوم إذا الخيل جالوا في كواثبها |
|
.......... (٣) |
وقد تقدم البحث في هذا مع مكي وغيره من حيث جريان الفعل على غير من هو له ، ولم يبرز ضمير.
وهذا التأويل الذي ذكرناه : هو قول الجمهور وعليه عامة المفسّرين.
قال الزمخشريّ : هو أوجه ؛ لأنّ إخوانهم في مقابلة : (الَّذِينَ اتَّقَوْا).
الثاني : أنّ المراد بالإخوان الشياطين ، وبالضّمير المضاف إليه : الجاهلون ، أو غير المتّقين ، لأنّ الشيء يدلّ على مقابله ، والواو تعود على الإخوان ، والضمير المنصوب يعود على الجاهلين ، أو غير المتّقين ؛ والمعنى : والشياطين الذين هم إخوان الجاهلين أو غير المتقين يمدّون الجاهلين أو غير المتّقين في الغيّ ، والخبر في هذا الوجه جار على من هو له لفظا ومعنى ، وهذا تفسير قتادة.
__________________
(١) ذكره الواحدي في «الوسيط» (٢ / ٤٣٨) والسمرقندي في «بحر العلوم» تفسير سورة الأعراف آية ٢٠٢ وأبو حيان في البحر المحيط ٤ / ٤٥٠ ، والبغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٢٥).
(٢) ذكره الواحدي في الوسيط ٢ / ٤٣٨ ، والبغوي ٢ / ٢٢٥ ، وأبو حيان في البحر المحيط (٢ / ٢٢٥).
(٣) صدر بيت لزياد بن منقذ وعجزه :
فوارس الخيل لا ميل ولا قزم
ينظر : المحتسب ١ / ٢٩١ والبحر المحيط ٤ / ٤٤٧ ، والصحاح واللسان «قزم» والكشاف ٢ / ١٣٩ ، وشواهد الكشاف ٤ / ٥٢٥ والدر المصون ٣ / ٣٨٩.