من قبل حسناتهم وعن شمائلهم : من قبل سيّئاتهم» (١).
قال ابن الأنباريّ (٢) : «قول من قال الأيمان كناية عن الحسنات والشّمائل كناية عن السيئات قول حسن ؛ لأنّ العرب تقول : اجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالك ، يريد اجعلني من المقدّمين عندك ، ولا تجعلني من المؤخرين».
وروى أبو عبيدة عن الأصمعي (٣) أنه قال : «أنت عندنا باليمين أي : بمنزلة حسنة ، وإذا خبثت منزلته قال أنت عندي بالشّمال».
وقال الحكم والسّدّيّ : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) : من قبل الدنيا يزيّنها لهم ، ومن خلفهم : من قبل الآخرة يثبّطهم عنها ، وعن أيمانهم من قبل الحقّ يصدّهم عنه ، وعن شمائلهم : من قبل الباطل يزينه لهم.
وقال قتادة : «أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنّه لا بعث ولا جنّة ، ولا نار ، ومن خلفهم في أمر الدّنيا فزينها لهم ودعاهم إليها ، وعن أيمانهم من قبل حسناتهم بطأهم عنها ، وعن شمائلهم زيّن لهم السيّئات والمعاصي ، ودعاهم إليها» (٤).
وقال مجاهد : «من بين أيديهم ، وعن أيمانهم من حيث يبصرون ومن خلفهم ، وعن شمائلهم من حيث لا يبصرون» (٥).
قال ابن جريج : معنى قوله : «حيث يبصرون أي : يخطئون ، وحيث لا يبصرون أي : لا يعلمون أنّهم يخطئون».
وقيل : من بين أيديهم في تكذيب الأنبياء والرّسل الذين يكونون حاضرين ، ومن خلفهم في تكذيب من تقدّم من الأنبياء والرّسل ، وعن أيمانهم في الكفر والبدعة ، وعن شمائلهم في أنواع المعاصي.
وقال حكماء الإسلام (٦) : إنّ في البدن قوّى أربعا ؛ هي الموجبة لقوّات السّعادات الرّوحانيّة ، فالقوة الأولى الخياليّة التي يجتمع فيها مثل المحسوسات وصورها ، وهي موضوعة في البطن المقدّم من الدّماغ ، وصور المحسوسات إنّما ترد عليها من مقدمها ، وإليه الإشارة بقوله : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ).
والقوّة الثّانية : الوهميّة التي تحكم في غير المحسوسات بالأحكام المناسبة
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٤٥) عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١٣٦) عن مجاهد وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٣٤.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٣٤.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٤٦) عن قتادة.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٤٦ ـ ٤٤٧) عن مجاهد.
(٦) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٣٤.