أي : جاءت على ردفها ، وقيل : بينهما فرق فقال الزّجّاج : «يقال : ردفت الرّجل إذا ركبت خلفه ، وأردفته أركبته خلفي». وهذا يناسب قول من يقدّر مفعولا في : «مردفين» بكسر الدّال وأردفته إذا جئت بعده أيضا فصار «أردف» على هذا مشتركا بين معنين.
وقال شمر : «ردفت وأردفت إذا فعلت ذلك بنفسك ، فأمّا إذا فعلتهما بغيرك فأردفت لا غير».
وقوله : «مردفين» بفتح الدّال فيه وجهان ، أظهرهما : أنّه صفة ل «ألف» أي : أردف بعضهم لبعض ، والثاني : أنّه حال من ضمير المخاطبين في ممدكم.
قال ابن عطية (١) : «ويحتمل أن يراد بالمردفين : المؤمنون ، أي : أردفوا بالملائكة».
وهذا نصّ فيما ذكر من الوجه الثاني.
وقال الزمخشري : وقرىء (٢) «مردفين» بكسر الدّال وفتحها من قولك : ردفه ، إذا تبعه ، ومنه قوله تعالى (رَدِفَ لَكُمْ) [النمل :] أي : ردفكم ، وأردفته إيّاه : إذا تبعته ، ويقال : أردفته كقولك ، أتّبعته : إذا جئت بعده ، ولا يخلو المكسور الدّال من أن يكون بمعنى : متبعين ، أو متّبعين.
فإن كان بمعنى متبعين فلا يخلو من أن يكون بمعنى متبعين بعضهم بعضا ، أو متبعين بعضهم لبعض ، أو بمعنى متبعين إياهم المؤمنين ، بمعنى يتقدّمونهم فيتبعونهم أنفسهم ، أو متبعين لهم يشيّعونهم ويقدّمونهم بين أيديهم ، وهم على ساقتهم ليكونوا على أعينهم وحفظهم أو بمعنى متبعين أنفسهم ملائكة آخرين ، أو متبعين غيرهم من الملائكة ، ويعضد هذا الوجه قوله تعالى في سورة آل عمران (بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) [آل عمران : ١٢٤] (بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) [آل عمران : ١٢٥].
ومن قرأ «مردفين» بالفتح فهو بمعنى متبعين أو متّبعين.
وهذا الكلام على طوله ، شرحه أنّ «أتبع» بالتخفيف ، يتعدّى إلى مفعولين ، و «اتّبع» بالتّشديد ، يتعدى لواحد ، و «أردف» قد جاء بمعناهما ، ومفعوله أو مفعولاه محذوف ، لفهم المعنى ، فيقدّر في كل موضع ما يليق به ، إلّا أنّ أبا حيّان عاب عليه قوله : «متبعين إيّاهم المؤمنين».
وقال : «هذا ليس من مواضع فصل الضمير ، بل ممّا يتصل ، وتحذف له النّون ، لا يقال : هؤلاء كاسون إيّاك ثوبا بل : كاسوك ، فتصحيحه أن يقول : متبعيهم المؤمنين ، أو متبعين أنفسهم المؤمنين».
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٠٤.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٠١.