قال الفارسي (١) : هذا الوجه كأنه أبين لقوله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) فقوله : «مردفين» أي : جائين بعد ، لاستغاثتكم ، ومن فتح الدّال فهم مردفون على أردفوا الناس ، أي : أنزلوا بعدهم.
وقرأ بعض المكيين (٢) فيما حكاه الخليل : «مردّفين» بفتح الرّاء وكسر الدّال مشدّدة ، والأصل : «مرتدفين» فأدغم.
وقال أبو البقاء : إنّ هذه القراءة مأخوذة من «ردّف» بتشديد الدّال على التكثير وإنّ التضعيف بدل من الهمزة ك : «أفرحته وفرّحته».
وجوّز الخليل بن أحمد : ضمّ الراء إتباعا لضم الميم ، كقولهم : «مخضم» بضم الخاء ، وقد قرىء (٣) بها شذوذا.
وقرىء «مردّفين» (٤) بكسر الرّاء وتشديد الدّال مكسورة ، وكسر الراء يحتمل وجهين : إمّا لالتقاء الساكنين ، وإمّا للإتباع.
قال ابن عطيّة : «ويجوز على هذه القراءة كسر الميم إتباعا للرّاء ، ولا أحفظه قراءة».
قال شهاب الدّين : وكذلك الفتحة في «مردّفين» في القراءة التي حكاها الخليل تحتمل وجهين :
أظهرهما : أنّها حركة نقل من التّاء ـ حين قصد إدغامها ـ إلى الرّاء.
والثاني : أنّها فتحت تخفيفا وإن كان الأصل الكسر على أصل التقاء السّاكنين ، كما قد قرىء به. وقرىء «مردّفين» (٥) بكسر الميم ، إتباعا لكسرة الرّاء.
و «الإرداف» الإتباع ، والإركاب ، وراءك.
وقال الزّجّاج (٦) : «أردفت الرّجل إذا جئت بعده».
ومنه : (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) [النازعات : ٧] ويقال : ردف ، وأردف.
واختلف اللغويون : فقيل هما بمعنى واحد ، وهو قول ابن الأعرابي نقله عنه ثعلب.
وقول أبي زيد نقله عنه أبو عبيد ، قال : يقال : ردفت الرّجل وأردفته ، إذا ركبت خلفه ؛ وأنشد : [الوافر]
٢٦٧٥ ـ إذا الجوزاء أردفت الثّريّا |
|
ظننت بآل فاطمة الظّنونا (٧) |
__________________
(١) ينظر : الحجة ٢ / ١٢٥.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ٣٧٠ ، البحر المحيط ٤ / ٤٦٠ ، المحرر الوجيز ٢ / ٥٠٤ ، الدر المصون ٣ / ٣٩٩.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٠٥ ، إعراب القراءات ١ / ٢٢١ ، الدر المصون ٣ / ٣٩٩.
(٤) المصدر السابق.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣٩٩.
(٦) ينظر : معاني القرآن للزجاج ٢ / ٤٤٥.
(٧) البيت لخزيمة بن مالك أو خزيمة بن نهد ينظر : الطبري ١٣ / ٤١٥ ، المحرر الوجيز ٨ / ٣٠ ، تفسير الماوردي ٢ / ٥٩ ، التاج : (ردف) الدر المصون ٣ / ٤٢.