قوله : «أنّي» العامة على فتح الهمزة بتقدير حذف حرف الجرّ ، أي : فاستجاب بأني.
وقرأ عيسى (١) بن عمر ، وتروى عن أبي عمرو أيضا «إنّي» بكسرها ، وفيها مذهبان : مذهب البصريين : أنّه على إضمار القول ، أي : فقال : إني ممدّكم.
ومذهب الكوفيين : أنّها محكيّة ب «استجاب» إجراء له مجرى القول ؛ لأنّه بمعناه.
قوله : «بألف» العامّة على التّوحيد ، وقرأ الجحدريّ (٢) «بآلف» بزنة «أفلس» وعنه أيضا ، وعن السدي «بآلاف» بزنة : «أحمال» ، وفي الجمع بين القراءتين ، وقراءة الجمهور أن تحمل قراءة الجمهور على أنّ المراد ب : بالألف هم الوجوه ، وباقيهم كالأتباع لهم ، فلذلك لم ينصّ عليهم في قراءة الجمهور ، ونصّ عليهم في هاتين القراءتين ، أو تحمل الألف على من قاتل من الملائكة دون من لم يقاتل ، فلا تنافي حينئذ بين القراءات.
قوله : «مردفين» قرأ نافع (٣) ، ويروى عن قنبل أيضا : «مردفين» بفتح الدّال ، والباقون (٤) بكسرها ، وهما واضحتان ؛ لأنه يروى أنه كان وراء كلّ ملك رديف له ، فقراءة الفتح تشعر بأنّ غيرهم أردفهم ، لركوبهم خلفهم ، وقراءة الكسر تشعر بأنّ الراكب خلف صاحبه قد أردفه فصحّ التّعبير باسم الفاعل تارة ، وباسم المفعول أخرى ، وجعل أبو البقاء مفعول «مردفين» يعني بالكسر محذوفا أي : مردفين أمثالهم ، وجوّز أن يكون معنى الإرداف : المجيء بعد الأوائل ، أي : جعلوا ردفا للأوائل. ويطلب جواب عن كيفيّة الجمع بين هذه الآية ، وآية آل عمران حيث قال هناك «بخمسة» وقال هنا : «بألف» والقصّة واحدة؟
والجواب : أنّ هذه الألف مردفة لتلك الخمسة ؛ فيكون المجموع ستة آلاف ، ويظهر هذا ، ويقوى في قراءة : «مردفين» بكسر الدّال.
وقد أنكر أبو عبيد : أن تكون الملائكة أردفت بعضها أي : ركّبت خلفها غيرها من الملائكة.
وقال الفارسيّ : من كسر الدّال احتمل وجهين :
أحدهما : أن يكونوا مردفين مثلهم كما تقول : أردفت زيدا دابتي ، فيكون المفعول الثّاني محذوفا ، وحذف المفعول كثير ، والوجه الآخر : أن يكونوا جاءوا بعد المسلمين.
وقال الأخفش «بنو فلان يردفوننا ، أي : يجيئون بعدنا».
وقال أبو عبيدة «مردفين» جاءوا بعد ، وردفني ، وأردفني واحد.
__________________
(١) ورويت عن أبي عمرو كما في الكشاف ٢ / ٢٠١ ، والمحرر الوجيز ٢ / ٥٠٤ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٦٠ ، والدر المصون ٣ / ٣٩٨.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٠٤ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٦٠ ، والدر المصون ٣ / ٣٩٨.
(٣) ينظر : السبعة (٣٠٤) ، الحجة ٤ / ١٢٤ ، اتحاف ٢ / ٧٧ ، المحرر الوجيز ٢ / ٥٠٤ ، حجة القراءات (٣٠٧) ، الكشاف ٢ / ٢٠٢ ، إعراب القراءات ١ / ٢٢١ ، البحر المحيط ٤ / ٤٦٠ ، الدر المصون ٢ / ٣٩٨.
(٤) المصدر السابق.