ثم قال : (وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) يعني أنّ هذا الذي نزل بهم في ذلك اليوم شيء قليل بالنسبة لما أعدّ لهم من العقاب يوم القيامة.
قوله : (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ) يجوز في : «ذلكم» أربعة أوجه :
أحدها : أن يكون مرفوعا على خبر ابتداء مضمر ، أي : العقاب ذلكم ، أو الأمر ذلكم.
الثاني : أن يرتفع بالابتداء ، والخبر محذوف ، أي : ذلكم العقاب وعلى هذين الوجهين ؛ فيكون قوله «فذوقوه» لا تعلّق لها بما قبلها من جهة الإعراب.
والثالث : أن يرتفع بالابتداء ، والخبر قوله : «فذوقوه» وهذا على رأي الأخفش فإنّه يرى زيادة الفاء مطلقا أعني سواء تضمّن المبتدأ معنى الشّرط أم لا ، وأمّا غيره فلا يجيز زيادتها إلّا بشرط أن يكون المبتدأ مشبها لاسم الشرط كما تقدّم تقريره.
واستدلّ الأخفش على ذلك بقول الشاعر : [الطويل]
٢٦٨٤ ـ وقائلة : خولان فانكح فتاتهم |
|
وأكرومة الحيّين خلو كما هيا (١) |
وخرّجه الآخرون على إضمار مبتدأ تقديره : هذه خولان.
الرابع : أن يكون منصوبا بإضمار فعل يفسّره ما بعده ، ويكون من باب الاشتغال.
وقال الزمخشريّ : «ويجوز أن يكون نصبا على : عليكم ذلكم فذوقوه كقولك : زيدا فاضربه».
قال أبو حيان (٢) : «ولا يصحّ هذا التقدير ، لأنّ «عليكم» من أسماء الأفعال وأسماء الأفعال لا تضمر ، وتشبيهه بقولك : زيدا فاضربه ، ليس بجيّد ؛ لأنّهم لم يقدّروه ب «عليك زيدا فاضربه» وإنّما هذا منصوب على الاشتغال».
قال شهاب الدّين : يجوز أن يكون نحا الزمخشريّ نحو الكوفيين ؛ فإنّهم يجرونه مجرى الفعل مطلقا ، ولذلك يعملونه متأخرا نحو (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٤].
وقال أبو البقاء : «ويجوز أن يكون في موضع نصب ، أي ذوقوا ذلكم ، ويجعل الفعل الذي بعده مفسّرا له ، والأحسن أن يكون التقدير : باشروا ذلكم فذوقوه ، لتكون الفاء عاطفة».
قال شهاب الدّين : ظاهر هذه العبارة الثانية أنّ المسألة لا تكون من الاشتغال ؛ لأنّه قدّر الفعل غير موافق لما بعده لفظا مع إمكانه ، وأيضا فقد جعل الفاء عاطفة لا زائدة وقد تقدّم تحقيق الكلام في هذه الفاء عند قوله : (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [البقرة : ٤٠].
قوله (وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ) الجمهور على فتح «أنّ» وفيها تخريجات أحدها : أنها ، وما في حيّزها في محل رفع على الابتداء ، والخبر محذوف تقديره : حتم استقرار عذاب النار للكافرين.
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٦٦.