وقال : شاهت الوجوه ، فلم يق مشرك إلّا ودخل في عينه وفمه ومنخريه منها. فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم (١).
وقال قتادة وابن زيد : ذكر لنا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمى بحصاة في ميمنة القوم ، وبحصاة في ميسرة القوم ، وبحصاة بين أظهرهم ، وقال : شاهت الوجوه فانهزموا ، فذلك قوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى)(٢) [الأنفال : ١٧].
إذ ليس في وسع أحد من البشر أن يرمي كفّا من الحصى إلى وجوه جيش ، فلا تبقى فيهم عين إلّا ويصيبها منه شيء. وقيل : المعنى : وما بلغت إذ رميت ولكن الله بلغ ، وقيل : وما رميت بالرّعب في قلوبهم إذ رميت بالحصاء ولكن الله رمى بالرّعب في قلوبهم حتى انهزموا.
القول الثاني : أنّها نزلت يوم خيبر. روي أنّه عليه الصّلاة والسّلام أخذ قوسا وهو على باب خيبر ، فرمى سهما ، فأقبل السّهم حتّى قتل ابن أبي الحقيق وهو على فراشه ، فنزلت الآية (٣).
القول الثالث : أنّها نزلت في يوم أحد ، وذلك أن أمية بن خلف أتى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بعظم رميم وقتّه ، وقال : يا محمّد ، من يحيي هذا وهو رميم؟ فقال عليه الصلاة والسلام : «يحيّيه الله يميتك ثم يحييك ثم يدخلك النّار» فأسر يوم بدر ، فلما افتدي قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّ عندي فرسا أعلفها كلّ يوم فرقا من ذرة كي أقتلك عليها.
فقال عليهالسلام : «بل أنا أقتلك إن شاء الله» فلمّا كان يوم أحد أقبل أبيّ يركض على ذلك الفرس حتى دنا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاعترض له رجال من المسلمين ليقتلوه.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «استأخروا» ورماه بحربة فكسر ضلعا من أضلاعه ، فحمل فمات ببعض الطريق ففي ذلك اليوم نزلت الآية (٤).
والصّحيح أنّها نزلت في يوم بدر وإلّا لدخل في أثناء القصّة كلام أجنبي عنها ، وذلك لا يليق بل لا يبعد أن يدخل تحته سائر الوقائع ؛ لأنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.
__________________
(١) انظر معالم التنزيل للبغوي (٢ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٠٤) عن ابن زيد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣١٦ ـ ٣١٧) وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
وأخرجه الطبري (٦ / ٢٠٣) عن قتادة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣١٦) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وابن المنذر.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣١٨) وعزاه إلى الطبري وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن جبير.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٠٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣١٧) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.