فيها قياس ، وتأثر هذا القائل بقراءة جماعة كثيرة «لتصيبنّ» وهي قراءة أمير (١) المؤمنين ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، والباقر ، والربيع بن أنس ، وأبي العالية ، وابن جماز.
وممّن وجّه ذلك ابن جني ، والعجب أنه وجّه هذه القراءة الشّاذّة بتوجيه يردّها إلى قراءة العامّة ، فقال : «يجوز أن تكون قراءة ابن مسعود ، ومن ذكر معه مخففة من «لا» يعني حذفت ألف «لا» تخفيفا واكتفي بالحركة».
قال : «كما قالوا : أم والله ، يريدون : أما والله».
قال المهدويّ «كما حذفت من «ما» وهي أخت «لا» في نحو : أم والله لأفعلنّ وشبهه».
قوله «أخت لا» ليس كذلك ؛ لأنّ «أما» هذه للاستفتاح ، ك «ألا» ، وليست من النّافية في شيء ، فقد تحصّل من هذا أنّ ابن جني خرّج كلّا من القراءتين على الأخرى ، وهذا لا ينبغي أن يجوز ألبتّة ، كيف يورد لفظ نفي ، ويتأوّل بثبوت وعكسه؟ وهذا ممّا يقلب الحقائق ، ويؤدّي إلى التّعمية.
وقال المبرّد ، والفرّاء ، والزّجّاج : في قراءة العامّة «لا تصيبنّ» الكلام قد تمّ عند قوله : «فتنة» وهو خطاب عامّ للمؤمنين ، ثم ابتدأ نهي الظلمة خاصة عن التعرّض للظّلم فتصيبهم الفتنة خاصة ، والمراد هنا : لا يتعرّض الظّالم للفتنة فتقع إصابتها له خاصة.
قال الزمخشريّ في تقدير هذا الوجه : «وإذا كانت نهيا بعد أمر ؛ فكأنه قيل : واحذروا ذنبا أو عقابا.
ثم قيل : لا تتعرّضوا للظلم فيصيب العقاب أو أثر الذّنب من ظلم منكم خاصة».
وقال عليّ بن سليمان : هو نهي على معنى الدّعاء ، وإنّما جعله نهيا بمعنى الدّعاء لأنّ دخول النون في النفي ب «لا» عنده لا يجوز ، فيصير المعنى : لا أصابت الفتنة الظالمين خاصة ، واستلزمت الدّعاء على غير الظّالمين ، فصار التقدير : لا أصابت ظالما ولا غير ظالم فكأنّه قيل : واتقوا فتنة لا أوقعها الله بأحد.
وقد تحصّلت في تخريج هذه الكلمة أقوال : النّهي بتقديريه ، والدّعاء بتقديريه ، والجواب للأمر بتقديريه وكونها صفة بتقدير القول.
قوله : «منكم» فيه ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنّها للبيان مطلقا ، والثاني : أنّها حال ، فيتعلّق بمحذوف.
وجعلها الزمخشريّ : للتبعيض على تقدير ، وللبيان على تقدير آخر ، فقال «فإن قلت : فما معنى «من» في قوله : (الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ)؟ قلت : التبعيض على الوجه الأوّل ،
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٢١٢ ، المحرر الوجيز ٢ / ٥١٦ ، البحر المحيط ٤ / ٤٧٧ ، الدر المصون ٣ / ٤١٢.