وقال الآخر : [الطويل]
٢٦٩٣ ـ فلا ذا نعيم يتركن لنعيمه |
|
وإن قال قرّظني وخذ رشوة أبى |
ولا ذا بئيس يتركنّ لبؤسه |
|
فينفعه شكو إليه إن اشتكى (١) |
فإذا جاز أن يؤكد المنفيّ ب «لا» مع انفصاله ، فلأن يؤكّد المنفيّ غير المفصول بطريق الأولى إلّا أنّ الجمهور يحملون ذلك على الضرورة.
وزعم الفرّاء أنّ : (لا تُصِيبَنَّ) جواب للأمر نحو : انزل عن الدّابة لا تطرحنّك ، أي : إن تنزل عنها لا تطرحنك ، ومنه قوله تعالى (لا يَحْطِمَنَّكُمْ) [النمل : ١٨] أي : إن تدخلوا لا يحطمنّكم ، فدخلت النّون لما فيه من معنى الجزاء.
قال أبو حيان (٢) : وقوله (لا يَحْطِمَنَّكُمْ) وهذا المثال ، ليس نظير (فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ) ؛ لأنه ينتظم من المثال والآية شرط وجزاء كما قدّر ، ولا ينتظم ذلك هنا ، ألا ترى أنه لا يصحّ تقدير : إن تتقوا فتنة لا تصب الذين ظلموا ، لأنه يترتّب على الشرط غير مقتضاه من جهة المعنى.
قال الزمخشريّ (٣) : (لا تُصِيبَنَّ) لا يخلو إمّا أن يكون جوابا للأمر ، أو نهيا بعد أمر ، أو صفة ل «فتنة» فإن كان جوابا فالمعنى : إن أصابتكم لا تصيب الظّالمين منكم خاصة بل تعمّكم.
قال أبو حيان «وأخذ الزمخشريّ قول الفرّاء ، وزاده فسادا وخبّط فيه» فذكر ما نقلته عنه ثم قال : «فانظر إليه كيف قدّر أن يكون جوابا للأمر الذي هو : «اتّقوا» ثمّ قدّر أداة الشرط داخلة على غير مضارع «اتقوا»؟ فقال المعنى : إن أصابتكم يعني : الفتنة. وانظر كيف قدّر الفرّاء : انزل عن الدّابّة لا تطرحنّك ، وفي قوله : (ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ) [النمل : ١٨] فأدخل أداة الشّرط على مضارع فعل الأمر ، وهكذا يقدّر ما كان جوابا للأمر».
وقيل : (لا تُصِيبَنَّ) جواب قسم محذوف ، والجملة القسمية صفة ل «فتنة» أي : فتنة والله لا تصيبنّ ، ودخول النّون أيضا قليل ، لأنه منفيّ.
وقال أبو البقاء (٤) «ودخلت النّون على المنفي في غير القسم على الشّذوذ» وظاهر هذا أنّه إذا كان النّفي في جواب القسم يطّرد دخول النّون ، وليس كذلك ، وقيل : إنّ اللام لام التّوكيد والفعل بعدها مثبت ، وإنّما أشبعت فتحة اللّام ؛ فتولّدت ألفا ، فدخول النّون
__________________
(١) البيتان لحسان السعدي ينظر : النوادر (٣٥٨) ، والبحر المحيط ٤ / ٤٧٧ والدر اللقيط ٤ / ٤٨٣ والدر المصون ٣ / ٤١١.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٧٨.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٢١١.
(٤) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ٢ / ٥.