صدورهم ، فقيل لهم : قاتلوا في سبيل الله ، واعلموا أنّ الله يحول بين المرء وقلبه فيبدل الله الخوف أمنا ، والجبن جراءة.
قوله : «بين المرء» العامّة على فتح الميم.
وقرأ ابن أبي (١) إسحاق : بكسرها على إتباعها لحركة الهمزة ، وذلك أن في : «المرء» لغتين : أفصحهما : فتح الميم مطلقا ، والثانية : إتباع الميم لحركة الإعراب فتقول : هذا مرء ـ بضم الميم ، ورأيت مرءا ـ بفتحها ، ومررت بمرء ـ بكسرها ، وقرأ الحسن (٢) ، والزهري : بفتح الميم وتشديد الرّاء. وتوجيهها : أن يكون نقل حركة الهمزة إلى الرّاء ، ثم ضعّف الراء ، وأجرى الوصل مجرى الوقف.
قوله «وأنّه» يجوز أن تكون الهاء ضمير الأمر والشأن ، وأن تعود على الله تعالى ، وهو الأحسن لقوله : (إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أي إلى الله ؛ ولا تتركون مهملين.
قوله (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ).
في «لا» وجهان :
أحدهما : أنّها ناهية ، وعلى هذا ، فالجملة لا يجوز أن تكون صفة ل «فتنة» لأنّ الجملة الطلبية لا تقع صفة ، ويجوز أن تكون محمولة لقول ، ذلك القول هو الصّفة أي : فتنة مقولا فيها : لا تصيبن ، والنّهي في الصورة للمصيبة ، وفي المعنى للمخاطبين ، وهو في المعنى كقولهم : لا أرينّك ههنا ، أي : لا تتعاطوا أسبابا يصيبكم بسببها مصيبة لا تخص ظالمكم ، ونون التوكيد على هذا في محلّها ، ونظير إضمار القول قوله : [الرجز]
٢٦٩١ ـ جاءوا بمذق هل رأيت الذّئب قط (٣)
أي مقول فيها ما رأيت.
والثاني : أن «لا» نافية ، والجملة صفة ل «فتنة» وهذا واضح من هذه الجهة إلّا أنّه يشكل عليه توكيد المضارع في غير قسم ، ولا طلب ، ولا شرط ، وفيه خلاف : هل يجري المنفي ب «لا» مجرى النّهي؟ فقال بعضهم : نعم ؛ واستشهد بقوله : [الطويل]
٢٦٩٢ ـ فلا الجارة الدّنيا بها تلحينّها |
|
ولا الضّيف فيها إن أناخ محوّل (٤) |
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥١٤ ، البحر المحيط ٤ / ٤٧٧ ، الدر المصون ٣ / ٤١٠.
(٢) المصدر السابق.
(٣) عجز بيت ينسب للعجاج وليس في ديوانه وصدره :
حتى إذا جنّ الظلام واختلط |
|
.......... |
ينظر : أمالي الزجاجي (٢٣٣) والمغني ١ / ٢٤٦ والمقرب ١ / ٢٢٠ والخزانة ٢ / ١٠٩ والدرر ٢ / ١٤٨ والهمع ٢ / ١١٧ وأوضح المسالك ٣ / ٣١٠ والأشموني ٣ / ٦٤ ، ٩٩ والعيني ٤ / ٦١ والإنصاف ١ / ١١٥ والارتشاف ٢ / ٨٣١ والدر المصون ٣ / ٤١١.
(٤) البيت للنمر بن تولب ينظر : الأشموني ٣ / ٤١٨ والمغني ١ / ٢٤٧ والكافية الشافية ٣ / ١٤٠٤ وجمهرة القرشي ٢ / ٥٤٦ والدر المصون ٣ / ٤١١.