الغنيمة وغيرها ، فكان معنى الآية : إيجاب أداء التكاليف تامة كاملة.
قال ابن عباس : «لا تخونوا الله بترك فرائضه ، والرسول بترك سنته» (١)(وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ). قال ابن عباس : «هي ما يخفى عن أعين النّاس من فرائض الله تعالى» (٢) والأعمال التي ائتمن الله عليها العباد المذكورة في سبب النّزول داخلة فيها ، لكن لا يجب قصر الآية عليها لأنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.
قال الزمخشريّ «ومعنى الخون النقص ، كما أن معنى الوفاء التّمام ، ومنه تخوّنه إذا تنقصه ثم استعمل في ضد الأمانة ؛ لأنك إذا حنت الرّجل في شيء ، فقد أدخلت النّقصان فيه».
قوله : «وتخونوا» يجوز فيه أن يكون منصوبا بإضمار «أن» على جواب النّهي ، أي : لا تجمعوا بين الخيانتين.
كقوله : [الكامل]
٢٦٩٤ ـ لا تنه عن خلق وتأتي مثله |
|
عار عليك إذا فعلت عظيم (٣) |
والثاني : أن يكون مجزوما نسقا على الأوّل ، وهذا الثاني أولى ؛ لأن فيه النهي عن كلّ واحد على حدته بخلاف ما قبله فإنّه نهي عن الجمع بينهما ، ولا يلزم من النهي عن الجمع بين الشيئين النهي عن كلّ واحد على حدته ، وقد تقدّم تحريره في قوله : (وَتَكْتُمُوا الْحَقَ) [البقرة : ٤٢] أول البقرة.
و «أماناتكم» على حذف مضاف ، أي : أصحاب أماناتكم ، ويجوز أن يكونوا نهوا عن خيانة الأمانات مبالغة كأنّها جعلت مخونة.
وقرأ مجاهد (٤) ورويت عن أبي عمرو «أمانتكم» بالتّوحيد ، والمراد الجمع.
وقوله (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) جملة حالية ، ومتعلّق العلم يجوز أن يكون مرادا أي : وأنتم تعلمون قبح ذلك أو أنكم مؤاخذون بها ، ويجوز ألّا يقدّر ، أي : وأنتم من ذوي العلم. والعلم يحتمل أن يكون على بابه ، وأن يكون بمعنى العرفان.
قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ).
لمّا كان الدّاعي إلى الإقدام على الخيانة هو حب الأموال ، والأولاد ، نبّه تعالى على أنه يجب على العاقل أن يحترز عن المضار المتولدة من ذلك.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٢١ ـ ٢٢٢) وو ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٣).
(٢) انظر المصادر السابقة.
(٣) ينسب البيت للأخطل والطرماح وحسان والمشهور أنه لأبي الأسود الدؤلي. ينظر : الكتاب ٣ / ٤٢ وشذور الذهب ٢٣٨ ، ٣١٢ والجنى الداني ١٥٧ والتصريح ٢ / ٢٣٨ وأوضح المسالك ٤ / ١٨١ والمؤتلف والمختلف ١٧٩ والمثل السائر ٣ / ٢٦٢ وشرح الحماسة للبحتري ١٧٣ والمقتضب ٢ / ٢٥ وابن يعيش ٧ / ٢٤ ، والمغني ١ / ٣٦١ ، والدر المصون ٣ / ٤١٤.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥١٨ ، البحر المحيط ٤ / ٤٨٠ ، الدر المصون ٣ / ٤١٤.