والثاني : أنّ اللّام لام الابتداء ، و «من» موصولة و «تبعك» صلتها ، وهي في محلّ رفع بالابتداء أيضا ، و «لأملأنّ» جواب قسم محذوف ، وذلك القسم المحذوف ، وجوابه في محلّ رفع خبر لهذا المبتدأ ، والتّقدير : للّذي تبعك منهم ، والله لأملأنّ جهنّم منكم.
فإن قلت : أين العائد من الجملة القسميّة الواقعة خبرا عن المبتدأ؟
قلت : هو متضمّن في قوله «منكم» ؛ لأنّه لمّا اجتمع ضميرا غيبة وخطاب غلب الخطاب على ما عرف.
وفتح اللّام هو قراءة العامّة. وقرأ عاصم (١) في رواية أبي بكر من بعض طرقه والجحدريّ : «لمن» بكسرها ، وخرّجت على ثلاثة أوجه :
أحدها ـ وبه قال ابن عطيّة ـ أنّها تتعلّق بقوله «لأملأنّ» فإنّه قال : «لأجل من تبعك منهم لأملأنّ» ، وظاهر هذا أنّها متعلّقة بالفعل بعد لام القسم.
وقال أبو حيّان (٢) : «ويمتنع ذلك على قول الجمهور تقديرها ؛ لأنّ ما بعد لام القسم لا يعمل فيما قبلها».
والثاني : أنّ اللّام متعلّقة بالذّأم والدّحر ، والمعنى : أخرج بهاتين [الصّفتين](٣) لأجل اتّباعك. ذكره أبو الفضل الرّازيّ في كتاب «اللّوامح» على شاذّ القراءة.
قال شهاب الدّين : ويمكن أن تجيء المسألة من باب الإعمال ، لأن كلّا من «مذءوما» و «مدحورا» يطلب هذا الجارّ عند هذا القائل من حيث المعنى ، ويكون الإعمال للثّاني كما هو مختار البصريّين للحذف من الأوّل.
والثالث : أن يكون هذا الجارّ خبرا مقدّما ، والمبتدأ محذوف تقديره : لمن تبعك منهم هذا الوعيد ، ودلّ على قوله هذا الوعيد قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) ؛ لأن هذا القسم وجوابه وعيد ، وهذا الذي أراد الزّمخشريّ بقوله : يعني لمن تبعك منهم الوعيد وهو قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) على أنّ «لأملأنّ» في محلّ الابتداء و (لَمَنْ تَبِعَكَ) خبره.
قال أبو حيّان : «فإن أراد ظاهر كلامه فهو خطأ على مذهب البصريين ؛ لأنّ قوله : «لأملأنّ» جملة هي : جواب قسم محذوف ، من حيث كونها جملة فقط ، لا يجوز أن تكون مبتدأة ، ومن حيث كونها جوابا للقسم المحذوف يمتنع أيضا ؛ لأنها إذ ذاك من هذه الحيثيّة لا موضع لها من الإعراب ، ومن حيث كونها مبتدأ لها موضع من الإعراب ولا يجوز أن تكون الجملة لها موضع من الإعراب لا موضع لها من الإعراب وهو محال ؛ لأنّه يلزم أن تكون في موضع رفع ، لا في موضع رفع ، داخل عليها عامل غير داخل عليها عامل ، وذلك لا يتصوّر».
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٨٢ ، والبحر المحيط ٤ / ٢٧٨ ، والدر المصون ٣ / ٢٤٥.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٧٩.
(٣) سقط من أ.