نستغفره ، ولا يعذب الله أمة ونبيها معها ، فقال الله لنبيه صلىاللهعليهوسلم يذكّره جهالتهم وغرتهم قال : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) [الأنفال : ٣٢] الآية وقال (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال : ٣٣] ثم قال ردّا عليهم (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) وإن كنت بين أظهرهم ، وإن كانوا يستغفرون (وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).
وقال آخرون : هذا الكلام مستأنف يقول الله إخبارا عن نفسه : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) واختلفوا في تأويلها.
فقال الضحاك ، وجماعة : تأويلها : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم مقيم بين أظهرهم ، قالوا : نزلت هذه الآية على النبيّ صلىاللهعليهوسلم وهو مقيم بمكّة ثمّ خرج من بين أظهرهم وبقيت بها بقيّة من المسلمين يستغفرون الله ؛ فأنزل الله (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ثم خرج أولئك من بينهم فعذّبوا وأذن الله في فتح مكّة ، وهو العذاب الأليم الذي وعدهم الله» (١).
قال ابن عباس «لم يعذّب الله قرية حتى يخرج النبي منها ، والذين آمنوا ويلحق بحيث أمر»(٢).
قال أبو موسى الأشعريّ : كان فيكم أمانان : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) فأمّا النبي صلىاللهعليهوسلم فقد مضى ، والاستغفار كائن فيكم إلى يوم القيامة (٣).
فإن قيل : لمّا كان حضوره مانعا من نزول العذاب بهم ، فكيف قال : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) [التوبة : ١٤]؟.
فالجواب : المراد من الأوّل عذاب الاستئصال ، ومن الثاني : العذاب الحاصل بالمحاربة والمقاتلة.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٣٦).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٣٤) وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٦) عن ابن عباس.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٣٤) عن أبي موسى وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٦).
وقد ورد هذا مرفوعا من حديث أبي موسى.
أخرجه الترمذي (٦٥ / ٢٥٢) كتاب التفسير حديث (٣٠٨٢) من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن عباد بن يوسف عن أبي بردة عن أبيه مرفوعا.
وقال الترمذي : هذا حديث غريب وإسماعيل بن مهاجر يضعف في الحديث. قلت : وأثر أبي موسى الموقوف له شواهد عن أبي هريرة وابن عباس. أثر أبي هريرة :
أخرجه الحاكم (١ / ٢٤٥) والبيهقي في «شهب الإيمان» رقم (٦٥٤) وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وقد اتفقا على أن تفسير الصحابي حديث مسند ووافقه الذهبي.
أثر ابن عباس :
أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» رقم (٦٥٥).