«مكاء» رفعا وخطّأ الفارسيّ هذه القراءة (١) ، وقال : لا يجوز أن يخبر عن النّكرة بالمعرفة إلّا في ضرورة ؛ كقول حسّان : [الوافر]
٢٧٠٣ ـ كأنّ سبيئة من بيت رأس |
|
يكون مزاجها عسل وماء (٢) |
وخرّجها أبو الفتح على أنّ «المكاء» و «التصدية» اسما جنس ، يعني : أنّهما مصدران.
قال : واسم الجنس تعريفه وتنكيره متقاربان ، فلم يقال بأيّهما جعل اسما ، والآخر خبرا؟ وهذا يقرب من المعرّف ب «أل» الجنسيّة ، حيث وصف بالجملة ، كما يوصف به النكرة ، كقوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) [يس : ٣٧] ؛ وقول الآخر : [الكامل]
٢٧٠٤ ـ ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني |
|
فمضيت ثمّت قلت : لا يعنيني (٣) |
وقال بعضهم : وقد قرأ أبو عمرو (٤) : «إلّا مكا» بالقصر والتنوين ، وهذا كما قالوه : بكاء ، وبكى. بالمدّ والقصر.
وقد جمع الشّاعر بين اللغتين ، فقال : [الوافر]
٢٧٠٥ ـ بكت عيني وحقّ لها بكاها |
|
وما يغني البكاء ولا العويل (٥) |
__________________
ـ نحو كان رفيقي صديقي ، فلا يصح أن يتقدم صديقي على أنه خبر لأنه لا يعلم ذلك لعدم ظهور الإعراب فدفعا لهذا اللبس تعين تأخير الخبر وكذا إذا كان الخبر فعلا نحو «كان زيد يقوم» فلا يجوز تقديم الخبر الذي هو يقوم مع فاعله المستتر على زيد لإيهام أن زيدا فاعل مع أنه اسم كان وكذا إذا كان مرفوع الخبر متأخرا عنه نحو كان زيد حسنا وجهه فلو تقدم الخبر لفصل بين العامل ومعموله أما إذا تأخر منصوبه فيجوز بلا قبح إن كان ظرفا أو جارا أو مجرورا ويقبح إن كان غيرهما لأن الظرف والجار والمجرور متسع فيهما وغيرهما وغير المرفوع قلنا بجوازه على قبح لأن المنصوب ليس كالمرفوع في أنه كجزئه أما باقي المواضع التي يمتنع فيها تقدم الخبر على المبتدأ فلا يعقل تحققها هنا أي مع كان وذلك لأن لازم التصدير لا يقع بعدها وكذلك ما اقترن بلام الابتداء أما استواء المبتدأ والخبر تعريفا وتنكيرا فلا يمتنع معه التقديم هنا مع ظهور الإعراب لأن المانع وهو إبهام كون الخبر مبتدأ منتف ها هنا إذ مع النصب أي نصب الخبر لا يتوهم كونه اسما لكان.
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٢١٨ ، المحرر الوجيز ٢ / ٥٢٣ ، البحر المحيط ٤ / ٤٨٦ ، الدر المصون ٣ / ٤١٧.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٢١٨ ، البحر المحيط ٤ / ٤٨٦ ، الدر المصون ٣ / ٤١٧.
(٥) البيت لحسان بن ثابت. ينظر : جمهرة اللغة ص ١٠٢٧ ولعبد الله بن رواحة. ينظر : ديوانه ص ٩٨ ، ولكعب بن مالك ينظر : ديوانه ص ٢٥٢ ، ولسان العرب «بكا» ، ولحسان أو لعبد الله في شرح شواهد الشافية ص ٦٦ ، وأدب الكاتب ص ٣٠٤ ، ومجالس ثعلب ص ١٠٩ ، والمنصف ٣ / ٤٠ والمقتضب ٤ / ٢٩٢ ، والدر المصون ٣ / ٤١٨.