فذهب جماعة إلى أنهما واحد ، وذهب قوم إلى أنّ الغنيمة : ما أصابه المسلمون
__________________
وتطلق الغنيمة على الفوز بالشيء بلا مشقة ، ومنه قولهم للشيء يحصل عليه الإنسان عفوا بلا مشقة «غنيمة باردة» خصت في عرف الشرع بمال الكفار يظفر به المسلمون على وجه القهر والغلبة ، وهو ـ ـ تخصيص من الشرع لا تقتضيه اللغة. وقد سمّى الشرع المال الواصل من الكفار إلى المسلمين في حال الحرب باسمين ، غنيمة وفيء وقد اختلف العلماء فيما هي الغنيمة والفيء ـ فقال بعضهم : الغنيمة ما أخذ عنوة من الكفار في الحرب ، والفيء ما أخذ عن صلح. وهو قول الشافعيّ. وقال بعضهم : الغنيمة ما أخذ من مال منقول ، والفيء الأرضون قاله مجاهد ، وقال آخرون : الغنيمة والفيء بمعنى واحد.
والغنيمة : اسم لما أخذه المسلمون من الكفار بإيجاف الخيل أو الركاب فما أخذه المسلمون من أهل الذمة أو من الكفار بغير إيجاف خيل ولا ركاب ، وما أخذه الذميون من أهل الحرب لا يسمى غنيمة ولا تجري عليه أحكامها.
وقد صح أن الغنيمة كانت محرمة في الشرائع السابقة ، وإنما أبيحت لأمة محمّد صلىاللهعليهوسلم خاصّة ، قال تعالى في سورة الأنفال : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً). وعدّ من ما فضل الله به الرسول عليه الصلاة والسلام ، وذلك في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «فضّلت على الأنبياء بستّ : أعطيت جوامع الكلم ـ ونصرت بالرّعب ـ وأحلّت ليّ الغنائم ، ـ وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ـ وأرسلت إلى الخلق كافّة ـ وختم بي النّبيّون» وروى البخاري عن همّام بن منبه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «غزا نبيّ من الأنبياء فقال لقومه : لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة ، وهو يريد أن يبني بها ولمّا يبن بها ، ولا أحد بنى بيوتا ، ولم يرفع سقوفها ، ولا أحد اشترى غنما أو خلفات ، وهو ينظر ولادها ، فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريبا من ذلك فقال للشّمس إنّك مأمورة وأنا مأمور ، اللهمّ احبسها علينا فحبست حتّى فتح الله عليهم ، فجمع الغنائم فجاءت ـ يعني النّار ـ لتأكلها فلم تطعمها فقال : إنّ فيكم غلولا ، فليبايعني من كلّ قبيلة رجل فلزقت يد رجل بيده فقال : فيكم الغلول فلتبايعني قبيلتك فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده فقال : فيكم الغلول فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذّهب ، فوضعوها فجاءت النّار فأكلتها ، ثمّ أحلّ الله لنا الغنائم ، ثمّ رأى ضعفنا وعجزنا فأحلّها لنا».
وبهذه الآية والأحاديث أخذت الغنائم في الإسلام حكم الحل ونزل فيها قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية ـ بيانا لطريق قسمتها.
والحكمة في حلّ الغنائم أن المجاهدين لما خرجوا عن أموالهم وأولادهم ، وتركوا الاشتغال بأمور معاشهم رغبة في الجهاد في سبيل الله ، ونشر دينه وإعلاء كلمته ، وعرضوا أنفسهم لركوب الأخطار واستقبال الموت من أبوابه المختلفة ، تفضل الله عليهم بإباحة الغنائم لهم تقوية لعزائمهم وحفزا لهممهم وتنشيطا لهم على الجهاد ، وكسرا لشوكة الكفار وإذلالا لهم بقتلهم ، وأسرهم ، وسلب ما يتمتعون به من نعم الله التي أغدقها عليهم ، ولم يقوموا بشكرها ، وإيذانا بأنهم ليسوا أهلا لها ؛ لعنادهم واستكبارهم عن عبادته.
والمال المغنوم من الكفار إما أن يكون عقارا أو منقولا وقد اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز المنّ بالمنقول استقلالا على الكفار بل يكون ملكا للمسلمين يجب تخميسه كما ورد في قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) الآية ـ وقال الحنفية : يجوز المنّ به تبعا كأدوات الزراعة بالقدر الذي يهيىء لهم العمل في الأرض وذلك لتوقف منفعة الأرض على الآلات.
وأما العقار فقد اختلفوا فيه على المذاهب الآتية. فالشافعية ، وأحمد في رواية عنه يرون أنه يجب قسمته بين الغانمين كالمنقول ، ولا يجوز المنّ به على الكفار ـ والمالكية ، وأحمد في رواية أخرى يرون أنه ـ