الأول : أنّ الواو تفيد الجمع المطلق (١) والفاء تفيد الجمع على سبيل التّعقيب ،
__________________
(١) الواو تنقسم إلى أحد عشر قسما :
الواو العاطفة ، وهي لمطلق الجمع ، ولا تدل على ترتيب ولا معية فإذا قلت جاء زيد وعمرو ، احتمل أن يكون مجيء عمرو بعد زيد ، ويحتمل أن يكون قبله ، ويحتمل أن يكون معه ، قال ابن مالك : وكونها للمعية راجح وللترتيب كثير ولعكسه قليل.
وقال الفراء ، وقطرب ، والربعي ، وثعلب ، وأبو عمر الزاهد ، وهشام : تدل على الترتيب ، ونسب ذلك إلى الشافعي.
وأكثر الناس على الأول ، حتى ادعى السيرافي : أن النحويين واللغويين أجمعوا على أنها لا تفيد الترتيب.
قال ابن نور الدين : ولم أعلم أحدا من أهل اللسان والأصول قال : إنها للمعية إلّا ما نقل عن إمام الحرمين في البرهان عن بعض الحنفية. نعم يحتمل الجمع والمعية في حال النفي ، فإذا قلت : ما قام زيد وعمرو ، احتمل نفي القيام عنها مطلقا ، واحتمل نفي القيام في حال اجتماعهما معا ، فإن أردت أن تخلصه للنفي أتيت ب «لا» فقلت : ما قام زيد ولا عمرو ، ومنه قوله تعالى : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ).
قال ابن نور الدين : مطلق الجمع ، أحسن من قول بعضهم : للجمع المطلق ، فإنه قيد الجمع بالإطلاق وهو يخرج مثل قوله تعالى : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)، فإن الواو لم تجمع بين الرد والرسالة جمعا مطلقا ، ولو كان جمعا مطلقا لكانا معا ، بل بينهما أربعون سنة ، وإنما أفادت مطلق الجمع.
وقد ترد العاطفة بعد ذلك لوجوه ثلاثة :
أحدها : أن تكون بمعنى : مع ، كقولك : استوى الماء والخشبة ، وجاء البرد والطيالسة ، قال الشاعر :
فكنت وإيّاها كحرّان لم يفق |
|
عن الماءه إذ لاقاه حتّى تقدّدا |
أي معها ، ويلزم نصب الاسم المعطوف وحمل عليه قوله صلىاللهعليهوسلم (بعثت والساعة كهاتين) وأشار إلى السبابة والإبهام.
الثاني : أن تكون بمعنى أو ، إما في التخيير أو في التقسيم أو في الإباحة ، فأما التخيير فقاله بعضهم ، وحمل عليه قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) ، المعنى : أو ثلاث أو رباع وقال الشاعر :
وقالوا نأت فاختر لها الصّبر والبكا
قال : معناه : أو البكا ، إذا لا يجتمع مع الصبر ، وأجاب من رده : بأنه يحتمل أن يكون الأصل : فاختر من الصبر والبكا أحدهما ، ثم حذف «من» كما في : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) ، ويؤيده أن أبا علي القالي رواه : ب «من».
وأما التقسيم ، فممن ذكره ابن مالك في التحفة ، كقولك : الكلمة : اسم وفعل وحرف ، وكقوله :
كما النّاس مجروم عليه وجارم
قال ابن هشام : «والصواب أنها في ذلك على معناها الأصلي إذ الأنواع مجتمعة في الدخول تحت الجنس».
وأما الإباحة ، فقاله الزمخشريّ ، وزعم أنه يقال : جالس الحسن وابن سيرين أي أحدهما ، وأنه لهذا قيل : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) بعد ذكر ثلاثة وسبعة لئلا يتوهم متوهم إرادة التخيير وهذا فيه بعد.
الثالث : أن تكون بمعنى الباء ، كقولهم : متى أنت وبلادي؟ والمعنى : متى عهدك ببلادك؟ وكقولك ـ