يونس ذلك فيقول : «أنتم ضربتمه» بتسكين الميم وضمها ، وقد يتقوّى بما روي عن عثمان ـ رضي الله عنه ـ : «أراهمني الباطل شيطانا» وفي هذا الكلام شذوذ من وجه آخر ، وهو تقديم الضمير غير الأخصّ على الأخصّ مع الاتصال.
فصل
قال مقاتل ـ رضي الله عنه ـ : «إنّ النبي صلىاللهعليهوسلم ، رأى في المنام أنّ العدد قليل قبل لقاء العدو ، وأخبر أصحابه بما رأى ، فلمّا التقوا ببدر قلّل الله المشركين في أعين المؤمنين» (١).
قال ابن مسعود : «لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين؟ قال أراهم مائة ، فأسرنا رجلا منهم فقلنا له : كم كنتم؟ قال : ألفا» (٢).
«ويقلّلكم» يا معشر المؤمنين «في أعينهم».
قال السّدي : «قال ناس من المشركين إنّ العير قد انصرفت ، فارجعوا ، فقال أبو جهل : الآن إذ برز لكم محمد وأصحابه؟ فلا ترجعوا ، حتّى تستأصلوهم ، إنّما محمد وأصحابه أكلة جزور ، فلا تقتلوهم واربطوهم بالحبال» (٣) ، والحكمة في تقليل عدد المشركين في أعين المؤمنين : تصديق رؤيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولتقوى قلوبهم ، وتزداد جراءتهم على المشركين ، والحكمة في تقليل عدد المؤمنين في أعين المشركين : لئلا يبالغوا في الاستعداد والتأهّب والحذر ، فيصير ذلك سببا لاستيلاء المؤمنين عليهم.
ثم قال : (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً).
فإن قيل : ذكر هذا يفهم من الآية المتقدمة ، فكان ذكره ـ ههنا ـ محض التكرار.
فالجواب : أنّ المقصود من ذكره في الآية المتقدمة ، هو أنّه تعالى فعل تلك الأفعال ليحصل استيلاء المؤمنين على المشركين على وجه يكون معجزة دالّة على صدق الرسول وههنا المقصود من ذكره ، أنه إنّما فعل ذلك ، لئلّا يبالغ الكفار في الاستعداد والحذر فيصير ذلك سببا لانكسارهم.
ثمّ قال (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) والغرض منه التّنبيه على أنّ أحوال الدّنيا غير مقصودة لذاتها ، بل المراد منها ما يصلح أن يكون زادا ليوم المعاد.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً
__________________
(١) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٥٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٤٢) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وأبي الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود.
(٣) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٥٣).