وثالثها : صدهم عن سبيل الله ، وهو كونهم مانعين عن دين محمد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ.
قوله : «بطرا ورئاء» منصوبان على المفعول له ، ويجوز أن يكونا مصدرين في موضع نصب على الحال ، من فاعل : «خرجوا» ، أي : خرجوا بطرين ومرائين ، و «رئاء» مصدر مضاف لمفعوله.
قوله «ويصدّون» : يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون عطفا على : «بطرا ورئاء» وحذف المفعول للدّلالة عليه.
فإن قيل : «يصدّون» فعل مضارع ، وعطف الفعل على الاسم غير حسن. فذكر الواحديّ في الجواب ثلاثة أوجه :
الأول : أن «يصدّون» بمعنى : صادين ، أي : بطرين ومرائين وصادين.
والثاني : أن يكون قوله «بطرا ورئاء» حالان على تأويل : مبطرين ومرائين ، ويكون قوله «ويصدون» أي : وصادين.
الثالث : أن يكون قوله «بطرا ورئاء» بمنزلة : يبطرون ويراؤون.
قال ابن الخطيب : «إن شيئا من هذه الوجوه لا يشفي الغليل ؛ لأنّه تارة يقيم الفعل مقام الاسم وأخرى يقيم الاسم مقام الفعل ليصح له كون الكلمة معطوفة على جنسها.
وكان من الواجب عليه أن يذكر السبب الذي لأجله عبّر عن الأولين بالمصدر ، وعن الثالث بالفعل. قال : إنّ الشيخ عبد القاهر الجرجاني ، ذكر أنّ الاسم يدلّ على التّمكين والاستمرار ، والفعل على التجدد والحدوث ، مثاله في الاسم قوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ) [الكهف : ١٨] وذلك يقتضي كون تلك الحالة ثابتة راسخة ، ومثال الفعل قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [يونس : ٣١] وذلك يدلّ على أنه تعالى يوصل الرّزق إليهم ساعة فساعة.
وإذا عرفت ذلك فنقول : إنّ أبا جهل ورهطه كانوا مجبولين على البطر ، والمفاخرة والعجب وأما صدهم عن سبيل الله فإنما حصل في الزّمان الذي ادّعى محمد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ فيه النبوة ، فلهذا ذكر البطر والرئاء بصيغة الاسم ، وذكر الصد بصيغة الفعل».
واعلم أنّ الذي قاله ابن الخطيب لا يخدش فيما أجاب به الواحديّ ؛ لأنّ الواحدي إنّما أراد من حيث الصّناعة ، لا من حيث المعنى.
ثم قال : (وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) أي : أنه عالم بما في دواخل القلوب ، وذلك كالتّهديد والزّجر عن الرئاء.
قوله تعالى : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) الآية.