قال ابن عبّاس : «يوفّ لكم أجره» أي : لا يضيع في الآخرة أجره (١) ؛ (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) أي : لا تنقصون من الثّواب. ولما ذكر ابن عباس هذا التفسير تلا قوله تعالى (آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) [الكهف : ٣٣].
قوله تعالى : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) الآية.
لمّا بيّن ما يرهب به العدو من القوة ، بيّن بعده أنّهم عند هذا الإرهاب إذا مالوا إلى المصالحة ، فالحكم قبول المصالحة ، والجنوح : الميل ، وجنحت الإبل : أمالت أعناقها ؛ قال ذو الرّمّة : [الطويل]
٢٧٣١ ـ إذا مات فوق الرّحل أحييت روحه |
|
بذكراك والعيس المراسيل جنّح (٢) |
يقال : جنح اللّيل : أقبل.
قال النضر بن شميل : «جنح الرّجل إلى فلان ، ولفلان : إذا خضع له» والجنوح الاتّباع أيضا لتضمّنه الميل ؛ قال النّابغة ـ يصف طيرا يتبع الجيش : [الطويل]
٢٧٣٢ ـ جوانح قد أيقنّ أنّ قبيله |
|
إذا ما التقى الجمعان أوّل غالب (٣) |
ومنه «الجوانح» للأضلاع ، لميلها على حشوة الشخص ، والجناح من ذلك ، لميلانه على الطّائر ، وقد تقدّم الكلام على بعض هذه المادة في البقرة.
قوله «للسّلم» تقدّم الكلام على «السلم» في البقرة ، وقرأ أبو بكر (٤) عن عاصم هنا بكسر السين ، وكذا في القتال : (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) ، ووافقه حمزة على ما في القتال و «للسّلم» متعلق ب «جنحوا».
فقيل : يتعدّى بها ، وب «إلى».
وقيل : هنا بمعنى «إلى». وقرأ الأشهب (٥) العقيليّ : «فاجنح» بضمّ النّون ، وهي لغة قيس ، والفتح لغة تميم.
والضمير في «لها» يعود على «السلم» ؛ لأنّها تذكّر وتؤنث ؛ ومن التّأنيث قوله : [المتقارب]
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ١٤٩).
(٢) البيت في ديوانه ٢ / ١٢١٥ ، اللسان [جنح] تفسير القرطبي ٨ / ٣٩ البحر المحيط ٤ / ٥٠٩ الدر المصون ٣ / ٤٣٣.
(٣) البيت في ديوانه ص (١٠) وتفسير الطبري ١٤ / ٤٠ القرطبي ٨ / ٣٩ البحر المحيط ٤ / ٥٠٩ الدر المصون ٣ / ٤٣٣.
(٤) وقرأ بها أيضا شعبة.
ينظر : السبعة ص (٣٠٨) ، الحجة ٤ / ١٥٨ ، حجة القراءات ص (٣١٢) ، إعراب القراءات ١ / ٢٣٠ ، إتحاف ٢ / ٨٢.
(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٤٨ ، البحر المحيط ٤ / ٥٠٩ ، الدر المصون ٣ / ٤٣٣.