الثاني : أنّ «من» مجرور المحلّ ، عطفا على الكاف في : «حسبك» ، وهذا رأي الكوفيين وبهذا فسّر الشعبي وابن زيد ، قالا : «معناه : وحسب من اتّبعك».
الثالث : أنّ محلّه نصب على المعيّة.
قال الزمخشريّ : (وَمَنِ اتَّبَعَكَ) الواو بمعنى «مع» وما بعده منصوب ، تقول : حسبك وزيدا درهم ، ولا تجرّ ؛ لأنّ عطف الظّاهر المجرور على المكنيّ ممتنع ؛ وقال : [الطويل]
٢٧٣٥ ـ .......... |
|
فحسبك والضّحّاك سيف مهنّد (١) |
والمعنى : كفاك وكفى تبّاعك المؤمنين الله ناصرا.
قال أبو حيّان (٢) : «وهذا مخالف لكلام سيبويه ؛ فإنّه قال «حسبك وزيدا درهم» لمّا كان فيه معنى : كفاك ، وقبح أن يحملوه على الضمير دون الفعل ، كأنّه قال : حسبك وبحسب أخاك» ثم قال : «وفي ذلك الفعل المضمر ضمير يعود على الدرهم والنية بالدرهم التقديم ، فيكون من عطف الجمل ، ولا يجوز أن يكون من باب الإعمال ، لأنّ طلب المبتدأ للخبر وعمله فيه ليس من قبيل طلب الفعل ، أو ما جرى مجراه ، ولا عمله فلا يتوهّم ذلك فيه».
وقد سبق الزمخشريّ إلى كونه مفعولا معه الزجاج ، إلّا أنه جعل «حسب» اسم فعل ، فإنه قال : «حسب» اسم فعل ، والكاف نصب ، والواو بمعنى «مع». وعلى هذا يكون «الله» فاعلا ، وعلى هذا التقدير يجوز في «ومن» أن يكون معطوفا على الكاف ، لأنّها مفعول باسم الفعل ، لا مجرور ، لأنّ اسم الفعل لا يضاف.
ثم قال أبو حيان : «إلّا أنّ مذهب الزجاج خطأ ، لدخول العوامل على «حسب» نحو : بحسبك درهم ، وقال تعالى : (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) ، ولم يثبت في موضع كونه اسم فعل ، فيحمل هذا عليه».
وقال ابن عطية (٣) ـ بعدما حكى عن الشعبي ، وابن زيد ما تقدّم عنهما من المعنى ـ : ف «من» في هذا التأويل في محلّ نصب ، عطفا على موضع الكاف ؛ لأنّ موضعها نصب على المعنى ب : «يكفيك» الذي سدّت «حسبك» مسدّه.
قال أبو حيان (٤) «هذا ليس بجيد ؛ لأنّ «حسبك» ليس ممّا تكون الكاف فيه في
__________________
(١) عجز بيت وصدره :
إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا |
|
.......... |
ينظر : المغني ٢ / ٥٦٣ والفراء ١ / ٤١٧ وإعراب النحاس ٢ / ١٩٥ شرح المفصل لابن يعيش ٢ / ٤٨ القرطبي ٨ / ٤٢ اللسان [حسب][عصا][هيج] الدر المصون ٣ / ٤٣٣.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٥١١.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٤٩.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٥١١.