وثالثها : قال الواحدي (١) : كان ابن عباس يقرأ (٢) «ملكين» بكسر اللام ويقول : ما طمعا في أن يكونا ملكين لكنهما استشرفا إلى أن يكونا ملكين ، وإنّما أتاهما الملعون من وجهة الملك ، ويدلّ على هذا قوله : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) [طه : ١٢٠] ، وضعف هذا الجواب من وجهين (٣) :
الأول : هب أنّه حصل الجواب على هذه القراءة فهل يقول ابن عبّاس إنّ تلك القراءة المشهورة باطلة؟ أو لا يقول ذلك؟ والأول باطل ، لأنّ تلك القراءة قراءة متواترة فكيف يمكن الطّعن فيها؟ وأمّا الثّاني فعلى هذا التّقدير الإشكال باق ؛ لأنّ على تلك القراءة يكون بالتّطميع قد وقع في أن يصير بواسطة ذلك الأكل من جملة الملائكة ، وحينئذ يعود السّؤال.
الوجه الثاني : أنّه تعالى جعله مسجود الملائكة ، وأذن له في أن يسكن الجنّة ، وأن يأكل منها رغدا حيث شاء وأراد ، [ولا مزيد] في الملك على هذه الدّرجة (٤).
السؤال الثاني : هل تدلّ هذه الآية على أنّ درجة الملائكة أكمل وأفضل من درجة النّبوّة؟
والجواب : أنّا إذا قلنا : إن هذه الواقعة كانت قبل النّبوّة لم يدلّ على ذلك ؛ لأنّ آدم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ حين طلب الوصول إلى درجة الملائكة ما كان من الأنبياء ، وإن كانت هذه الواقعة قد وقعت في زمن النّبوّة فلعلّ آدم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ رغب في أن يصير من الملائكة في القدرة والقوّة أو في خلقة الذات بأن يصير جوهرا نورانيا ، وفي أن يصير من سكّان العرش والكرسيّ ، وعلى هذا فلا دلالة في الآية على ذلك (٥).
السّؤال الثالث : نقل أنّ عمرو بن عبيد قال للحسن في قوله : «إلّا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين» ، وفي قوله : «وقاسمهما» قال عمرو : قلت للحسن ؛ فهل صدقاه في ذلك؟ فقال الحسن : معاذ الله ، لو صدّقاه لكانا من الكافرين. ووجه السّؤال : أنه كيف يلزم هذا التّكفير بتقدير أن يصدّقا إبليس في ذلك القول؟
والجواب : ذكروا في تقدير ذلك التّكفير أنّه عليه الصّلاة والسّلام لو صدق إبليس في الخلود ، لكان ذلك يوجب إنكار البعث والقيامة وأنه كفر.
ولقائل أن يقول : لا نسلّم أنّه يلزم من ذلك التّصديق حصول الكفر ، وبيانه من وجهين :
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٤ / ٤٠.
(٢) وقرأ بها أيضا الحسن بن علي ، والضحاك ويحيى بن كثير والزهري ، وابن حكيم. ينظر البحر المحيط ٤ / ٢٨٠ ، والرازي ١٤ / ٤٠.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ١٤ / ٤٠.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ١٤ / ٤٠.
(٥) ينظر : المصدر السابق.