وقال الفارسي (١) : «الفتح أجود ؛ لأنّها في الدّين» ، وعكس الفرّاء هذا ، فقال «يريد من مواريثهم ، فكسر الواو أحبّ إليّ من فتحها ؛ لأنها إنّما تفتح إذا كانت نصرة وكان الكسائيّ يذهب بفتحها إلى النصرة ، وقد سمع الفتح والكسر في المعنى جميعا».
قوله : (حَتَّى يُهاجِرُوا) يوهم أنّهم لمّا لم يهاجروا مع رسول الله سقطت ولايتهم مطلقا فأزال الله هذا الوهم بقوله : (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) أي : أنهم لو هاجروا لعادت تلك الولاية.
قوله تعالى : (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ).
لمّا بيّن قطع الولاية بين تلك الطّائفة من المؤمنين ، بيّن أنّ المراد منه ليس هو المقاطعة التّامة كما في حقّ الكفّار ، بل هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا «لو استنصروكم فانصروهم» ولا تخذلوهم.
قوله : «فعليكم النّصر» مبتدأ وخبر ، أو فعل وفاعل عند الأخفش ، ولفظة «على» تشعر بالوجوب ، وكذلك قدّره الزمخشريّ ، وشبّهه بقوله : [الطويل]
٢٧٤١ ـ على مكثريهم رزق من يعتريهم |
|
وعند المقلّين السّماحة والبذل (٢) |
قوله : (إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) أي : لا يجوز لكم نصرتهم عليهم إذ الميثاق مانع من ذلك.
ثم قال : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) قرأ السلمي (٣) والأعرج : «يعملون» بياء الغيبة وكأنه التفات ، أو إخبار عنهم.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) الآية.
اعلم أنّ هذا ترتيب في غاية الحسن ؛ لأنّه تعالى ذكر للمؤمنين أقساما ثلاثة :
الأول : المؤمنون من المهاجرين.
والثاني : الأنصار وهم أفضل النّاس وبيّن أنه يجب أن يوالي بعضهم بعضا.
والقسم الثالث : المؤمنون الذين لم يهاجروا.
فهؤلاء لهم بسبب إيمانهم فضل ، وبسبب ترك الهجرة لهم حالة نازلة ، فيكون حكمهم متوسطا بمعنى أنّ الولاية للقسم الأوّل منفية عن هذا القسم ، إلّا أنّهم يكونون بحيث لو استنصروا المؤمنين ، واستعانوا بهم نصروهم وأعانوهم ، فهذا الحكم متوسط بين الإجلال ، والإذلال ، وأمّا الكفار فليس لهم ما يوجب شيئا من أسباب الفضيلة ،
__________________
(١) ينظر : الحجة ٤ / ١٦٦.
(٢) البيت لزهير بن أبي سلمى ينظر ديوانه (١١٤) والعمدة ٢ / ١٢٤ والكامل ١ / ٢٧ والبحر المحيط ٤ / ٥١٨ والدر المصون ٣ / ٤٣٨.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٥٦ ، البحر المحيط ٤ / ٥١٧ ، الدر المصون ٣ / ٤٣٨.