ويقال : السلطان ولي من لا ولي له ولا يفيد الإرث.
وقال تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) [يونس : ٦٢] ولا يفيد الإرث بل الولاية تفيد القرب ، فيمكن حمله على غير الإرث ، وهو كون بعضهم معظما للبعض ، مهتما بشأنه ، مخصوصا بمعاونته ومناصرته ، وأن يكونوا يدا واحدة على الأعداء ، فحمله على الإرث بعيد عن دلالة اللفظ ، لا سيما وهم يقولون إن ذلك الحكم نسخ بقوله في آخر الآية : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ).
فأيّ حاجة إلى حمل اللفظ على معنى لا إشعار لذلك اللفظ به ، ثمّ الحكم بأنّه صار منسوخا بآية أخرى مذكورة معه ، هذا في غاية البعد ، اللهم إلا إذا حصل إجماع المفسرين على ذلك فيجب المصير إليه ، إلّا أنّ دعوى الإجماع بعيد.
القسم الثالث : المؤمنون الذين لم يهاجروا وبقوا في مكة ، وهم المراد بقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا) فقال تعالى : (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) ، فالولاية المنفية في هذه الصّورة ، هي الولاية المثبتة في القسم المتقدم ، فما قيل هناك قيل هنا.
واحتج الذّاهبون إلى أنّ المراد من هذه الولاية الإرث ، بأن قالوا : لا يجوز أن يكون المراد منها ولاية النصرة والدليل عليه أنّه تعالى عطف عليه قوله : (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) وذلك عبارة عن الموالاة في الدّين ، والمعطوف مغاير للمعطوف عليه فوجب أن يكون المراد بالولاية المذكورة أمرا مغايرا لمعنى النصرة ، وهذا استدلال ضعيف لأنا إذا حملنا تلك الولاية على التّعظيم والإكرام ، فهو أمر مغاير للنصرة ، لأنّ الإنسان قد ينصر بعض أهل الذمة في بعض المهمات ، مع أنه لا يواليه بمعنى التعظيم ، وقد ينصر عبده وأمته بمعنى الإعانة ، مع أنه لا يواليه بمعنى التعظيم ، فسقط هذا الاستدلال.
قوله : (مِنْ وَلايَتِهِمْ) قرأ حمزة (١) هنا ، وفي الكهف «الولاية لله» هو ، والكسائيّ بكسر الواو ، والباقون بفتحها. فقيل : لغتان. وقيل : بالفتح من «المولى» يقال : مولى بيّن الولاية ، وبالكسر من ولاية السلطان. قاله أبو عبيدة. وقيل : بالفتح من النّصرة والنّسب ، وبالكسر من الإمارة. قاله الزّجّاج قال : «ويجوز الكسر ؛ لأنّ في تولّي بعض القوم بعضا جنسا من الصناعة والعمل ، وكلّ ما كان من جنس الصناعة مكسور كالخياطة والقصارة». وقد خطّأ الأصمعيّ قراءة الكسر ، وهو المخطىء ، لتواترها.
وقال أبو عبيد : «والذي عندنا الأخذ بالفتح في هذين الحرفين ؛ لأنّ معناهما من الموالاة في الدّين».
__________________
(١) ينظر : السبعة ص (٣٠٩) ، الحجة ٤ / ١٦٥ ، حجة القراءات ص (٣١٤) ، إعراب القراءات ١ / ٢٣٤ ، النشر ٢ / ١٧٧ ، إتحاف ٢ / ٨٤.