قال قتادة : حلف لهما بالله حتى خدعهما ، وقد يخدع المؤمن بالله.
(إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) أي : قال إبليس : إنّي حلفت قبلكما ، وأنا أعلم أحوالا كثيرة من المصالح والمفاسد ، لا تعرفانها ، فامتثلا قولي أرشدكما ، وإبليس أوّل من حلف بالله كاذبا ، فلمّا حلف ظن آدم أنّ أحدا لا يحلف بالله إلّا صادقا فاغتر به.
قوله : (لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) يجوز في «لكما» أن تتعلق بما بعده على أن «أل» معرفة لا موصولة ، وهذا مذهب أبي عثمان ، أو على أنّها موصولة ، ولكن تسومح في الظّرف وعديله ما لا يتسامح في غيرهما اتّساعا فيهما لدورانهما في الكلام ، وهو رأي بعض البصريّين ، وأنشد : [الرجز]
٢٤٣٢ ـ ربّيته حتّى إذا تمعددا |
|
كان جزائي بالعصا أن أجلدا (١) |
ف «بالعصا» متعلّق بأجلدا وهو صلة أن ، أو أن ذلك جائز مطلقا ، ولو في المفعول به الصّريح ، وهو رأي الكوفيين وأنشدوا : [الكامل]
٢٤٣٣ ـ .......... |
|
وشفاء غيّك خابرا أن تسألي (٢) |
أي : أن تسألي خابرا ، أو أنّه متعلّق بمحذوف على البيان أي : أعني لكما كقولهم : سقيا لك ، ورعيا ، أو تعلّق بمحذوف مدلول عليه بصلة أل أي : إنّي ناصح لكما ، ومثل هذه الآية الكريمة : (إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) [الشعراء : ١٦٨] ، (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) [يوسف : ٦٨].
وجعل ابن مالك (٣) ذلك مطّردا في مسألة أل الموصولة إذا كانت مجرورة ب «من».
ونصح يتعدّى لواحد تارة بنفسه ، وتارة بحرف الجرّ ، ومثله شكر ، وقد تقدّم (٤) ، وكال ، ووزن. وهل الأصل التعدّي بحرف الجر والتّعدّي بنفسه ، أو كل منهما أصل؟ الرّاجح الثّالث.
وزعم بعضهم أنّ المفعول في هذه الأفعال محذوف ، وأنّ المجرور باللّام هي الثّاني ، فإذا قلت : نصحت لزيد فالتقدير : نصحت لزيد الرّأي. وكذلك شكر له صنيعه وكلت له طعامه ووزنت له متاعه فهذا مذهب رابع.
وقال الفرّاء : «العرب لا تكاد تقول : نصحتك ، إنّما يقولون نصحت لك وأنصح لك» ، وقد يجوز نصحتك. قال النابغة : [الطويل]
٢٤٣٤ ـ نصحت بني عوف فلم يتقبّلوا |
|
رسولي ولم تنجح لديهم رسائلي (٥) |
وهذا يقوّي أنّ اللّام أصل.
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : شرح الكافية له ٢ / ١٠١٩.
(٤) ينظر : تفسير سورة البقرة آية (٥٢).
(٥) ينظر ديوانه ٩٣ ، ابن الشجري ١ / ٣٦٢ ، اللسان (نصح) ، الدر المصون ٣ / ٢٤٩.