فعرضت له شجرة من شجر الجنّة فحبسته بشعره فقال لها أرسليني ؛ قالت : لست بمرسلتك ، فناداه ربّه : يا آدم أين تفرّ قال : لا يا رب ، ولكني استحييتك» (١).
وفي الآية دليل على أنّ كشف العورة قبيح من لدن آدم ، ألا ترى أنّهما كيف بادرا إلى السّتر ، لما تقرّر في عقلهما من قبح كشف العورة.
قوله : «عليهما» قال أبو حيّان (٢) : الأولى أن يعود الضّمير في «عليهما» على عورتيهما ، كأنّه قيل : يخصفان على سوأتيهما ، وعاد بضمير الاثنين ؛ لأنّ الجمع يراد به اثنان.
ولا يجوز أن يعود الضّمير على آدم وحوّاء ؛ لأنّه تقرّر في علم العربيّة أنّه لا يتعدّى من فعل الظّاهر والمضمر المتّصل إلى الضمير المتصل المنصوب لفظا أو محلّا في غير باب «ظنّ» ، و «قعد» ، و «عدم» ، و «وجد» لا يجوز زيد ضربه ، ولا ضربه زيد ، ولا زيد مرّ به ، ولا مرّ به زيد ، فلو جعلنا الضّمير في «عليهما» عائدا على آدم وحوّاء للزم من ذلك تعدّي يخصف إلى الضّمير المنصوب محلّا ، وقد رفع الضّمير المتّصل ، وهو الألف في «يخصفان» ، فإن أخذ ذلك على حذف مضاف مراد ؛ جاز ذلك ، تقديره : يخصفان على بدنيهما.
قال شهاب الدّين (٣) : ومثل ذلك فيما ذكر (وَهُزِّي إِلَيْكِ) [مريم : ٢٥]. (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ (٤) جَناحَكَ) [القصص : ٣٢].
وقول الشاعر : [المتقارب]
٢٤٤٢ ـ هوّن عليك فإنّ الأمور |
|
بكفّ الإله مقاديرها (٤) |
وقوله : [الطويل]
٢٤٤٣ ـ دع عنك نهبا صيح في حجراته |
|
ولكن حديثا ما حديث الرّواحل (٥) |
قوله : «من ورق» يحتمل وجهين :
أن تكون «من» لابتداء الغاية وأن تكون للتّبعيض.
و «ناداهما ربّهما» لم يصرّح هنا باسم المنادى للعلم به.
وقوله : «ألم أنهكما» يجوز أن تكون هذه الجملة التقديريّة مفسّرة للنداء لا محلّ لها
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٨١.
(٣) الدر المصون ٣ / ٣٥١.
(٤) تقدم.
(٥) البيت لامرىء القيس ينظر ديوانه ٩٤ ، خزانة الأدب ١٠ / ١٥٩ ، ١١ / ١٧٧ ، شرح شواهد المغني ١ / ٤٤٠ ، الدرر ٤ / ١٤٠ ، لسان العرب (صيح) ، (حجر) ، (رسس) ، (سقط) ، مغني اللبيب ١ / ١٥٠ ، المقاصد النحوية ٣ / ٣٠٧ ، همع الهوامع ٢ / ٢٩ ، الجنى الداني ٢٤٤ ، الصاحبي (١٨) المقرب ١ / ١٩٥ ، الدر المصون ٣ / ٢٥١ وفي أول البيت خرم ، وهو حذف الأول من «فعولن» التي في أول البحر الطويل.