قوله : «وأقيموا» فيه وجهان :
أظهرهما : أنّه معطوف على الأمر المقدر أي الذي ينحل إليه المصدر ، وهو «بالقسط» وذلك أنّ القسط مصدر فهو ينحل لحرف مصدري ، وفعل ، فالتّقدير : قل : أمر ربي بأن أقسطوا وأقيموا ، وكما أنّ المصدر ينحلّ إلى «أنّ والفعل الماضي» نحو : عجبت من قيام زيد وخرج ، أي : من أن قام ، وخرج ، ول «أن» وللفعل المضارع كقولها : [الوافر]
٢٤٤٩ ـ للبس عباءة وتقرّ عيني |
|
.......... (١) |
أي : لأن ألبس عباءة وتقر ، كذلك ينحل ل «أنّ» وفعل أمر ؛ لأنّها توصل بالثّلاث الصّيغ : الماضي والمضارع والأمر بشرط التّصرّف ، وقد تقدّم تحقيق هذه المسألة وإشكالها وجوابه.
وهذا بخلاف «ما» فإنّها لا توصل بالأمر ، وبخلاف «كي» فإنّها لا توصل إلا بالمضارع ، فلذلك لا ينحلّ المصدر إلى «ما» وفعل أمر ، ولا إلى «كي» وفعل ماضي أو مضارع.
وقال الزّمخشريّ (٢) : وقل أقيموا وجوهكم أي : اقصدوا عبادته ، وهذا من الزّمخشريّ يحتمل تأويلين :
أحدهما : أن يكون قوله «قل» أراد أنه مقدر غير هذا الملفوظ به فيكون «وأقيموا» معمولا لقول أمر مقدر ، وأن يكون معطوفا على قوله : «أمر ربّي» فإنه معمول ل «قل» وإنما أظهر الزّمخشريّ «قل» مع أقيموا لتحقيق عطفيته على «أمر ربّي».
ويجوز أن يكون قوله «وأقيموا» معطوفا على أمر محذوف تقديره قل : أقبلوا وأقيموا.
وقال الجرجانيّ صاحب «النّظم» (٣) : نسق الأمر على الجر وجاز ذلك ؛ لأنّ قوله (قُلْ أَمَرَ رَبِّي) قول لأن الأمر لا يكون إلا كلاما ، والكلام قول ، وكأنه قال : قل : يقول ربي : أقسطوا وأقيموا ، يعني أنّه عطف على المعنى.
و «مسجد» هنا يحتمل أن يكون مكانا وزمانا.
قال الزّمخشريّ : في وقت كلّ سجود ، وفي مكان كلّ سجود ، وكان من حقّ «مسجد» بفتح العين لضمها في المضارع ، وله في هذا الشذوذ أخوات كثيرة مذكورة في التّصريف (٤).
__________________
ـ ١٤٣) عن مجاهد وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(١) تقدم.
(٢) ينظر الكشاف ٢ / ٩٩.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٤٨.
(٤) ينظر : المفصل لابن يعيش ٦ / ١٠٧.