ويروى عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ والحسن البصري [أنهما] قالا : «الإثم : الخمر» (١).
قال الحسن : «وتصديق ذلك قوله : (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) [البقرة : ٢١٩] ، والذي قاله الحذّاق : إنّ الإثم ليس من أسماء الخمر (٢).
قال ابن الأنباري : «الإثم : لا يكون اسما للخمر ؛ لأنّ العرب لم تسمّ الخمر إثما ، لا في جاهليّة ، ولا في الإسلام ، وقول ابن عباس والحسن لا ينافي ذلك ؛ لأنّ الخمر سبب الإثم ، بل هي معظمه ، فإنّها مؤجّجة للفتن ، وكيف يكون ذلك وكانت الخمر حين نزول هذه السّورة حلالا ؛ لأن هذه السّورة مكيّة ، وتحريم الخمر إنّما كان في «المدينة» بعد «أحد» ، وقد شربها جماعة من الصّحابة يوم «أحد» فماتوا شهداء ، وهي في أجوافهم.
وأمّا ما أنشده الأصمعيّ من قوله :
٢٤٥٨ ـ شربت الإثم ... |
|
.......... (٣) |
نصوا على أنه مصنوع ، وأما غيره فالله أعلم».
وقال بعض المفسّرين : «الإثم : الذّنب والمعصية».
وقال الضحاك ـ رحمهالله ـ : «الإثم : هو الذّنب الذي لا حدّ فيه».
قوله : «والبغي بغير الحقّ» : اعلم أنّ الذّين قالوا : المراد ب «الفواحش» جميع الكبائر ، وب «الإثم» جميع الذّنوب قالوا : إن البغي والشرك لا بد وأن يدخلا تحت الفواحش ، وتحت الإثم ، وإنّما خصّهما الله ـ تعالى ـ بالذّكر تنبيها على أنّهما أقبح أنواع الذّنوب ، كما في قوله تبارك وتعالى : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨].
وفي قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) [الأحزاب : ٨].
وأمّا الذين خصّوا الفاحشة بالزّنا ، والإثم بالخمر قالوا : البغي والشرك غير داخلين تحت الفواحش والإثم ، وإنّما البغي لا يستعمل إلا في الإقدام على الغير نفسا ، أو مالا أو عرضا ، وقد يراد البغي على سلطان الوقت.
فإن قيل : البغي لا يكون إلا بغير الحقّ ، فما الفائدة في ذكر هذا الشرط؟ فالجواب من وجهين :
الأول : أنّ قوله تعالى «بغير الحقّ» حال ، وهي حال مؤكدة ؛ لأنّ البغي لا يكون إلّا بغير الحق.
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٧ / ١٢٩).
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.