صحة العبادة بعد الفراغ عن كون النهي متعلقا بالخصوصية ووجود الجهة الموجبة للامر في الطبيعة ، فيرجع محصل النزاع الى ان وجود الجهة في الطبيعة يكفى في كونها عبادة ومحصلة للقرب وان كان المأتي به الفرد المشتمل على الخصوصية المبغوضية فعلا ، او لا؟ اما الثاني فبان يكون النزاع في ان القضايا الدالة على حرمة عبادة خاصة بعد كون اصلها مامورا بها هل تدل عرفا على فساد تلك العبادة او لا؟ واما الثالث فبان يكون المدعى في هذه المسألة صحة العبادة وبطلانها سواء كان طريق الاثبات في ذلك اللفظ ام العقل.
والظاهر كون النزاع هنا راجعا الى المسألة العقلية كالسابقة والدليل على ذلك انهم يعنونون النهى في العبادات ويتمسك القائل بالبطلان بعدم امكان صيرورة المبغوض عبادة ، وهذا يكشف عن ان مورد الكلام ما اذا فهم ثبوت المقتضى للطبيعة ، وانما النزاع في ان اتحادها مع المبغوض هل هو مانع من القرب او لا ، ولو كان النزاع راجعا الى اللفظ ما احتاج المانع الى هذا الكلام ، ولا اختص ما ادعاه بالعبادة ، اذ كما يمكن ان يدعى ان النواهى الواردة في العبادة تدل على الفساد كذلك يمكن ان يدعى ان النواهى الواردة في المعاملات كذلك.
الثالث : لا فرق بين النهي النفسي والغيري (١) والاصلى والتبعى لوجود الملاك في الجميع ، نعم يختص النزاع بالنواهى التحريمية لعدم قابلية النهى التنزيهى الوارد على الخصوصية لاسقاط الامر بالطبيعة (٢) والوجه في ذلك ان
__________________
(١) لا وجه لجريان النزاع في النهى الغيرى بعد ما هو المسلم فيما بينهم من ان الطلب الغيري لا يوجب موافقته قربا ولا مخالفته بعدا ، نعم الدخول فيما يعتقد مقدميته لمبغوض المولى وان لم يكن مقدمة واقعا او لم نقل بالطلب الشرعي للمقدمة موجب للقبح الفاعلى ، وهو كاف في بطلان العبادة «منه».
(٢) فيه ان النهي التنزيهى في هذا الباب حاله حال النهى التحريمي بعينه ولو قلنا بالفرق بينهما في الباب المتقدم ، توضيحه ان الامر هناك كان متعلقا بالطبيعة المغايرة مع الطبيعة المتعلقة للنهى ، فلا محالة عند تصادق الطبيعة على فرد واحد يفترق الحال بين النهى التحريمى