نشاهد ذلك وجدانا في الإرادة التكوينية قد توجدها النفس لمنفعة فيها مع القطع بعدم منفعة في متعلقها ويترتب عليها الاثر ، مثال ذلك : ان اتمام الصلاة من المسافر يتوقف على قصد الاقامة عشرة ايام في بلد من دون مدخلية لبقائه في ذلك البلد بذلك المقدار وجودا وعدما ، ولذا لو بقى في بلد بالمقدار المذكور من دون القصد لا يتم ، وكذا لو لم يبق بذلك المقدار ولكن قصد من اول الامر بقائه بذلك المقدار يتم ، ومع ذلك يتمشى قصد البقاء من المكلف مع علمه بان ما هو المقصود ليس منشأ للاثر المهم ، وانما يترتب الاثر على نفس القصد ، ومنع تمشى القصد منه مع هذا الحال خلاف ما نشاهد من الوجدان ، كما هو واضح ، فتعين ان الإرادة قد توجدها النفس لمنفعة فيها لا في المراد ، فاذا صح ذلك في الإرادة التكوينية صح في التشريعية ايضا ، لانها ليست بازيد مئونة منها ، وكذا الحال في باقى الصفات من قبيل التمنى والترجى.
اذا عرفت هذا فنقول : ان المتكلم بالالفاظ الدالة على الصفات المخصوصة الموجودة في النفس لو تكلم بها ولم تكن مقارنة مع وجود تلك الصفات اصلا نلتزم بعدم كونها مستعملة في معانيها ، واما ان كانت مقارنة مع وجود تلك الصفات فهذا استعمال في معانيها ، وان لم يكن تحقق تلك الصفات بواسطة تحقق المبدأ في متعلقاتها ، فتأمل جيدا.
[في الطلب والارادة]
الفصل الثاني : قد اشتهر النزاع في ان الطلب هل هو عين الإرادة او غيرها؟ بين العدلية والاشاعرة ، وذهب الاول الى الاول ، والثاني الى الثاني.
وملخص الكلام في المقام ان يقال : ان اراد الاشاعرة انه في النفس صفة اخرى غير الإرادة تسمى بالطلب فهو واضح الفساد ، ضرورة انا اذا نطلب شيئا لم نجد في انفسنا غير الإرادة ومباديها ، وان اراد ان الطلب معنى ينتزع من الإرادة في مرتبة الإظهار والكشف دون الإرادة المجردة ، فهما متغايران مفهوما