أقول : ليس الاستعمال على ما ذكرنا إلّا الإتيان باللفظ الخاص لإفادة إرادة المعنى الخاص ، وهذا لا محذور فيه أصلا ، وأمّا ما ذكره ثانيا فلا يرد على ما قررناه ، فانه بعد اعتبار التصور الذي هو مدلول الألفاظ طريقا إلى ملاحظة ذات المتصور يصح الاسناد والحمل في مداليل الألفاظ بلا مئونة وعناية ، نعم هذا الاشكال وارد على الطريق الآخر الذي قررناه ، وأمّا ما ذكره ثالثا ففيه أن كل لفظ يدل على إرادة المعنى العام بواسطة الوضع جعلوه مما يكون الموضوع له فيه عاما في مقابل الألفاظ التي تدل على ارادة المعنى الخاص ، ولا مشاحّة في ذلك.
ومن هنا تعرف صحة القول بأن الدلالة تابعة للارادة ، وما يرى من الانتقال إلى المعنى من الألفاظ وإن صدرت من غير الشاعر فهو من باب انس الذهن ، وليس من باب الدلالة ، ألا ترى أنه لو صرّح واحد بأني ما وضعت اللفظ الكذائي بازاء المعنى الكذائي وسمع منه الناس هذه القضية ، ينتقلون إلى ذلك المعنى عند سماع ذلك اللفظ ، مع أن هذا ليس من باب الدلالة قطعا.
[في وضع المركبات]
ومنها : اختلف في أنه هل للمركبات ـ أعني القضايا التامة ـ وضع آخر غير وضع المفردات ، أو ليس لها وضع سوى وضع المفردات؟
أقول : إن كان غرض مدّعي وضع آخر للمركبات أنها بموادها الشخصية لها وضع آخر غير وضع المفردات بمعنى ان لقضية «زيد قائم» وضعا آخر يكون لفظ زيد بمنزلة جزء الكلمة في ذلك الوضع ، فهو في غاية الفساد ، اذ وجدان كل احد يشهد ببطلان هذا الكلام ، مضافا الى لغويته.
وان كان الغرض أن وضع مفردات القضية لا يفى بصدق القضية التامة التي يصح السكوت عليها ، لان معانى المفردات معان تصورية ، وتعدد المعاني التصورية لا يستلزم القضية التامة التي يصح السكوت عليها ، فلا بد ان يكون