عن قواعد الاستنباط المذكورة في علم الاصول بواسطة كثرة امارات الواقع وسهولة امر الاستنباط في تلك الأعصار لا يوجب اندراج البحث والتدوين لها في مثل زماننا الذي مسّت الحاجة اليها في عنوان البدعة ، كما هو الحال في تدوين الفقه والنحو والصرف.
فصل
«الاجتهاد المطلق والتجزّي»
ينقسم الاجتهاد الى مطلق وتجزّ : فالاول ملكة الاقتدار على تعيين الوظيفة العمليّة بالنسبة الى جميع الاحكام ، والثاني ملكة ذلك بالنسبة الى بعضها.
ولا اشكال في إمكان الأول وحصوله للاعلام ، وما يرى من كثرة الاختلاف بينهم في غالب المسائل غير مناف مع إطلاق الملكة وغير كاشف عن عدمه في بعضهم ، ببيان أن إطلاق الملكة يوجب قلّة خطاء صاحبها ، كقلة خطاء الحسّ في المحسوسات ، وجه عدم المنافاة ان كثيرا من هذه الاختلافات صورة اختلاف ، وليس اختلافا حقيقة ، وذلك ما كان منها من قبيل الفتوى واللافتوى ، والجزم واللاجزم ، إما بواسطة فحص أحدهما عن امارات الواقع بالمقدار المتعارف وعدم العثور ، وعثور الآخر من جهة فحصه زائدا عن المتعارف أو من باب الاتفاق ، وإمّا مع فحص كلّ منهما بالمقدار المتعارف لكن حصل القطع لاحدهما ، ولم يحصل للآخر ، مع عدم خروجهما عن المتعارف ، كما هو أمر ممكن. وما كان منها من قبيل اختلاف الفتويين بحيث كان كلّ منهما مخطئا لمدارك الآخر ، فأوّلا نمنع كثرة وقوع هذا الخطاء في شخص واحد ، وإنما كثرته بكثرة الأشخاص ، وثانيا نمنع مضريته اذا كان مما يليق بشان الفاضل ، نعم لو كان خطاء فاحشا لا يليق صدوره عن الفاضل فكثرة مثله عن شخص كاشف عن عدم اطلاق الملكة. وأما مقايسة قلّة الخطأ في حدس المجتهد بقلّة