والحق ان يقال : ان بنينا على كون الخروج مقدمة لترك الغصب الزائد فالاقوى هو القول الثاني ، سواء قلنا بجواز اجتماع الامر والنهى ام لم نقل به ، وان لم نقل بمقدمية الخروج بل قلنا بصرف الملازمة بين ترك الغصب الزائد والخروج كما هو الحق ـ وقد مر برهانه في مبحث الضد ـ فالاقوى انه ليس مامورا به ولا منهيا عنه فعلا ، ولكن يجرى عليه حكم المعصية.
لنا على الاول : انه قبل الدخول ليس للخروج عنوان المقدمية ، ضرورة امكان ترك الغصب بانحائه ولا يتوقف ترك شيء منه على الخروج ، فيتعلق النهى بجميع مراتب الغصب من الدخول في الارض المغصوبة والبقاء والخروج ، لكونه قادرا على جميعها ، ولكنه بعد الدخول فيها يضطر الى ارتكاب الغصب مقدار الخروج ، فيسقط النهي عنه بهذا المقدار ، لكونه غير قادر فعلا على تركه ، والتكليف الفعلى قبيح بالنسبة اليه ، وهذا واضح ، ولكنه يعاقب عليه لكونه وقع هذا الغصب بسوء اختياره ، ولما توقف عليه بعد الدخول ترك الغصب الزائد كما هو المفروض ، وهذا الترك واجب بالفرض لكونه قادرا عليه ، فيتعلق به الوجوب بحكم العقل الحاكم بالملازمة بين وجوب ذي المقدمة ووجوب مقدمته ، فالخروج عن الدار المغصوبة منهى عنه قبل الدخول ، ولذا يعاقب عليه ، ومأمور به بعد الدخول ، لكونه بعده مقدمة للواجب المنجز الفعلي.
فان قلت : ما ذكرت انما يناسب القول : بكفاية تعدد الجهة في الامر والنهي ، واما على القول : بعدمها فلا يصح ، لان هذا الموجود الشخصى اعنى الحركة الخروجية مبغوض فعلا وان سقط عنها النهى لمكان الاضطرار ، وكما ان الامر والنهى لا يجتمعان في محل واحد كذلك الحب والبغض الفعليان ، ضرورة كونهما متضادين كالامر والنهى.
قلت : اجتماع البغض الذاتي مع الحب الفعلي مما لا ينكر ، ألا ترى انه لو عرقت بنتك او زوجتك ولم تقدر على انقاذهما ترضى بان ينقذهما الاجنبي وتريد هذا الفعل منه مع كمال كراهتك اياه لذاته.