فان قلت : الكراهة في المثال الذي ذكرته ليست فعلية ، بخلاف المقام ، فان المفروض فعليتها ، فلا يجتمع مع الارادة.
قلت : ليت شعرى ما المراد بعدم فعلية الكراهة في المثال وفعليتها في المقام؟ ان كان المراد انه لا يشق عليه هذا الفعل الصادر من الاجنبى ، بل حاله حال الصورة التى يصدر هذا الفعل من نفسه ، بخلاف المقام فان الفعل يقع مبغوضا للآمر ، فالوجدان شاهد على خلافه ، ولا اظن احدا تخيله. وان اراد به أن الفعل وان كان يقع في المثال مبغوضا ومكروها للشخص المفروض إلّا ان هذا البغض لا اثر له ، بمعنى انه لا يحدث في نفس الشخص المفروض ارادة ترك الفعل المذكور لان تركه ينجر الى هلاك النفس ، ومن هذه الجهة هذا البغض المفروض لا ينافي ارادة الفعل ، فهو صحيح ، ولكنه يجرى بعينه في المقام ، فان الحركة الخروجية وان كانت مبغوضة حين الوقوع لكن هذا البغض لما لم يكن منشأ للاثر وموجبا لزجر الآمر عنها فلا ينافي ارادة فعلها ، لكونه فعلا مقدمة للواجب الفعلى.
ومحصل ما ذكرنا في المقام أن القائل بامتناع اجتماع الامر والنهى انما يقول بامتناع اجتماعهما واجتماع ملاكيهما اذا كان كل واحد من الملاكين منشأ للاثر وموجبا لاحداث الارادة في النفس ، واما اذا سقط جهة النهى عن الاثر كما هو المفروض فلا يعقل ان يتخيل ان الجهة الساقطة عن الاثر تزاحم الجهة الموجودة المؤثرة في الامر ، مثلا لو فرضنا ان المولى نهى عبده عن مطلق الكون في المكان الفلاني فاوقع نفسه في ذلك المكان بسوء اختياره ثم لم يمكنه الخروج من ذلك المكان ابدا فلا شك ان الاكوان الصادرة من العبد كلها تقع مبغوضة للمولى ، ويستحق عليها العقاب ، وان سقط عنها النهى لعدم تمكن العبد من الترك فعلا ، ثم انه لو فرضنا ان خياطة الثوب مطلوبة للمولى من حيث هى فهل تجد من نفسك ان تقول : لا يمكن للمولى ان يأمره بخياطة الثوب في ذلك المكان ، لان انحاء التصرفات والاكوان المتحققة في ذلك المكان مبغوضة