الظن بالبراءة بخلاف العمل بالظن بالطريق تحكّم ، هذا فيما اذا علم بنصب الطريق اجمالا ، واما مع قطع النظر عن ذلك كما هو مبنى كلام المستدل فلنا ان نمنع جواز العمل بالظن بالطريق اصلا ، كما عرفت مما ذكرنا سابقا (١) ، فراجع.
الامر الثالث : هل المقدمات المذكورة على تقدير تماميتها تنتج اعتبار الظن على نحو حكومة العقل ، او موجبة لكشف العقل عن اعتبار الظن شرعا؟ الحق هو الاول ، فان العلم الاجمالي بوجود واجبات ومحرمات يوجب وجوب الامتثال بحكم العقل ، فان تمكن من ذلك ولم يكن له مانع تعين عليه الامتثال القطعى ، وان لم يتمكن او اسقط عنه الشارع الامتثال القطعي يجب التنزل الى الظن ، لانه اقرب الى الواقع المنجز عليه بمقتضى العلم من الشك والوهم ، ولا يجوّز العقل بعد وجود مراتب متفاوتة للامتثال المصير الى المرتبة النازلة ، الا بعد عدم التمكن من ما فوقها او سقوطه بالاذن الشرعي ، وبعد وجود هذا الحكم القطعي من العقل لا يجب على الشارع جعل الطريق.
فان قلت : الامر كما تقول فيما اذا كان رفع اليد عن المرتبة العليا بواسطة عدم التمكن عقلا ، واما اذا كان بواسطة اذن الشارع فيكشف عن عدم فعلية الاحكام على تقدير تحققها في البعض المرخص فيه ، لامتناع اجتماع الحكمين الفعليين في مورد واحد ، ووجودها في البعض الآخر غير معلوم ، فاذن ينتفى اثر العلم الاجمالي بالمرة ، فللقائل باعتبار الظن من باب الكشف ان يقول : لم يبق لنا الا الاجماع على عدم جواز ترك التعرض للاحكام الواقعية بوجه من الوجوه ، واجماع آخر على عدم جواز الاقتصار على مجرد اتيان المشكوكات او الموهومات ، فيثبت بذينك الاجماعين جعل طريق من الشارع ، اذ لو لا ذلك لما صح عقلا العقاب على ترك التعرض للاحكام ، فان ما كان منجزا وهو العلم الاجمالي قد ارتفع اثره ، ولما كان الطريق القابل للسلوك في نظر المكلف في الحال التي هو
__________________
(١) ص ٤٠٨.